فأعاد القول فأمسكوا ، وأعدت ما قلت ، فأخذ برقبتي ثم قال لهم : ( هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا ) ! فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع ! ! . انتهى . ونظير ذلك ما رواه الامام أحمد وبقية المحدثين باختلاف يسير ! ومنه تعرف كيف يلخص الدكتور حوادث السيرة ! ولقد كان على الدكتور أن يقف عند هذه المفاوضة التي دعا لها بنو هاشم وقفة إعجاب ، فإنها أجلُّ مواقفه التي وقفها وأجلاها روعةً وجمالاً ، مفاوضةٌ تقرر مصير العالم وجعله عالماً جديداً ! وإن الفطن اللبيب ليقف لأول وهلة أمامها دهشاً حيراناً ، أينحني لعظمة هذا المفاوض وبطولته وما يريد من العظائم : يريد امتلاك العالم والوقوف في وجه البشر ! يريد سد طريقهم التي ساروا عليها لأجيالٍ وقرون ! يريد شق طريق جديدة لهم ، على ما بها من كثرة المضائق ووعورة المسالك ، لكنها تنتهي إلى الخير الدائم والسعادة الخالدة . يريد إخضاع ملوك الأرض وإرغامهم لمشيئته . يريد حمل الناس كافة على ترك مبادئهم وما ألفوه من عاداتهم ومعتقداتهم .