فكرة الشورى على نطاق واسع ، وبعمق ، وباعداد نفسي عام ، وملء كل الثغرات ، وابراز لكل التفاصيل التي تجعل الفكرة عملية ، وطرح للفكرة على هذا المستوى كما وكيفا وعمقا ، لا يمكن أن يمارسه الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم تنطمس معالمه لدى جميع المسلمين الذين عاصروه إلى حين وفاته صلوات الله عليه . وقد يفترض أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان قد طرح فكرة الشورى بالصورة اللازمة ، وبالحجم الذي يتطلبه الموقف كما وكيفا ، واستوعبها المسلمون ، غير أن الدوافع السياسية استيقظت فجأة وحجت الحقيقة وفرضت على الناس كتمان ما سمعوه من النبي فيما يتصل بالشورى وأحكامها وتفاصيلها . غير أن هذا الافتراض ليس عمليا ، لان تلك الدوافع مهما قيل عنها ، فهي لا تشمل المسلمين الاعتياديين من الصحابة الذين لم يساهموا في الاحداث السياسية عقب وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولا في بناء هرم السقيفة ، وكان موقفهم موقف المترسل ، وهؤلاء يمثلون في كل مجتمع جزءا كبيرا من الناحية العددية مهما طغى الجانب السياسي عليه [48] .
[48] أي كما تمت محاولة طمس مبدأ الولاية لعلي ( عليه السلام ) ومع ذلك فإن النصوص المتعلقة بها لم تختف تماما ولا كليا ، بل وصلت نصوص كثيرة بلغ بعضها حد الشهرة والتواتر . راجع مختصر تاريخ ابن عساكر / ابن منظور / ج 17 / ص 356 وما بعدها وج 18 ص 1 - 50 فلو كان هناك بيانات ونصوص عن الشورى كنظام لاستعصت على الطمس .