كان كل ذلك صحيحا [20] ، فمن البديهي إذن أن يكون رائد الدعوة ونبيها أكثر شعورا بخطر السلبية [21] ، وأكبر ادراكا ، وأعمق فهما لطبيعة الموقف ومتطلبات العمل التغييري الذي يمارسه في أمة حديثة عهد بالجاهلية على حد تعبير أبي بكر . الامر الثاني - النظرة المصلحة : إن الامر الثاني الذي يمكن أن يفسر سلبية القائد تجاه مستقبل الدعوة ، ومصيرها بعد وفاته ، أنه على رغم شعوره بخطر هذا الموقف ، لا يحاول تحصين الدعوة ضد ذلك الخطر ، لأنه ينظر إلى الدعوة نظرة مصلحية ، فلا يهمه إلا أن يحافظ عليها ما دام حيا
[20] راجع : الفاروق عمر للدكتور محمد حسين هيكل / ج 2 / ص 313 / 314 : " كان عمر يود لو يتم التشاور ، ويختاروا خليفة ، قبل أن يقبض ليموت مطمئنا إلى مصير الاسلام من بعده . . . " . [21] إن حرص النبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) على دعوته المباركة وعلى وحدة الأمة ومصير الاسلام ، لابد أن يكون بالضرورة أكثر من حرص أصحابه وأشد ، قال تعالى : ( . . . عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) التوبة / 128 . والاهم فإن توعيته للأمة وتربيته لأصحابه في ضرورة تجنب الاختلاف ، وممارساته العملية بهذا الشأن لا تحتاج إلى دليل ، فضلا عن كون القرآن قد طفح بعشرات الآيات التي تدعو إلى نبذ الخلاف ، والتنفير من أسبابه ودواعيه ، فكيف يمكن تصور أن يترك النبي الرحيم أهم سبب يدعو إلى التنازع وهو الرئاسة دون أن يضع ما من شأنه أن يعطله ويغلق الباب دون تفاعلاته ، مع أن هذا الادراك كما يقولون دفع الخليفتين الأول والثاني إلى الاستخلاف كما صرحوا به هم أنفسهم / تاريخ الطبري / ج 2 / ص 580 . ( 22 ) المصدر السابق .