الافتراض والاعتقاد ، بأن " التشيع " ظاهرة طارئة في المجتمع الاسلامي ، هو أن الشيعة لم يكونوا يمثلون في صدر الاسلام إلا جزءا ضئيلا من مجموع الأمة الاسلامية . فق أوحت هذه الحقيقة شعورا بأن اللاتشيع كان هو القاعدة في المجمتع الاسلامي ، وأن التشيع هو الاستثناء والظاهرة الطارئة التي يجب اكتشاف أسبابها من خلال تطورات المعارضة للوضع السائد . ولكن اتخاذ الكثرة العددية والضالة النسبية أساسا لتمييز القاعدة والاستثناء أو الأصل والانشقاق ، ليس شيئا منطقيا ، فمن الخطأ إعطاء الاسلام اللاشيعي صفة الأصالة على أساس الكثرة العددية ، واعطاء الاسلام الشيعي صفة الظاهرة الطارئة ومفهوم الانشقاق ، على أساس القلة العددية ، فإن هذا لا يتفق مع طبيعة الانقسامات العقائدية ، إذ كثيرا ما نلاحظ انقساما عقائديا في إطار رسالة واحدة ، يقوم على أساس الاختلاف في تجديد بعض معالم تلك الرسالة ، وقد لا يكون القسمان العقائديان متكافئين من الناحية العددية ولكنهما في أصلهما معبران بدرجة واحدة عن الرسالة المختلف بشأنها ، ولا يجوز بحال من الأحوال أن نبني تصوراتنا عن الانقسام العقائدي داخل إطار الرسالة الاسلامية إلى شيعة وغيرهم ، على الناحية العددية [1] ، كما لا يجوز أيضا أن نقرن ولادة الأطروحة
[1] نعم ليس متسقا مع المنطق ، وليس متسقا مع منطق القرآن الكريم أيضا ، فالقرآن نجده غالبا - إن لم يكن دائما - يذم الكثرة في موارد كثيرة جدا ، كما نجده يمدح القلة في موارد مثلها ، فقد جاء مثلا قوله تعالى : ( . . . ولكن أكثرهم لا يشكرون ) النمل / 73 ، وجاء قوله تعالى : ( وقليل من عبادي الشكور ) سبأ / 13 ، وجاء قوله تعالى : ( . . . وإن كثيرا من الناس لفاسقون ) المائدة / 49 ، وجاء قوله تعالى : ( أولئك المقربون * في جنات النعيم * ثلة من الأولين * وقليل من الآخرين ) الواقعة / 11 - 14 . هذا من وجه ، ومن وجه آخر نجد القرآن الكريم ينبه في موارد كثيرة إلى إن الذين يتبعون الحق ويتبعون الرسل ، وينقادون للتعاليم الإلهية قليلون دائما بالقياس إلى الكثرة من المعاندين للحق ، قال تعالى : ( . . . وأكثرهم للحق كارهون ) المؤمنون / 70 ، وقال تعالى : ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) يوسف / 103 ، وفي كل ذلك إشارة إلى بطلان اعتماد معيار الكثرة لتقييم صحة الاتجاه وصحة الرأي في مثل هذه الأمور . وراجع : المعجم المفهرس الألفاظ القرآن / محمد فؤاد عبد الباقي / ص 597 وما بعدها .