وهذا من مناوراته الخبيثة ، وكأنّ تأكيد النص كتابة بعد أن كان شفاها ممنوع عقلاً أو شرعاً . فليكن الشيعة وهم يذكرون النص السابق الجلي الظاهر - وهو بيعة يوم الغدير - وما سبقها منذ بدء الدعوة وما لحق بها ، لكن لا مانع من تأكيد ذلك بالكتاب ليكون أقوى حجة في دفع الخصوم الّذين سوّلت لهم أنفسهم فنابذوه وأضبّوا على عداوته مع وجود النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بين ظهرانيهم . ولماذا لا يكون الكتاب - لو تمّ - أقوى حجة وأظهر دليلاً وهو المتكفل بعصمة الأمة من الضلالة . لكن عناصر الشغب الّذين أظهروا كوامن أحقادهم عرفوا أنّه لو تمّ الكتاب فلا يبقى لهم حساب ، لذلك أصروا على التمرد والعناد ، وعدم امتثال أوامر النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وكانت الصلعاء والشوهاء منهم تخلفهم عن جيش أسامة والنبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ينادي : ( أنفذوا جيش أُسامة ، لعن الله من تخلف عن جيش أسامة ) [1] ، وما كان ذلك منهم إلاّ بعد أن تيقنوا انّ المراد بالكتاب هو خلافة عليّ ، فألقحها ابن الخطاب فتنة عمياء حين قال كلمته الرعناء : « انّ النبيّ ليهجر » فنسف كلّ ما أراده النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لذلك ( غمّ ) أغمي عليه من شدة الصدمة ، ووقع الاختلاف والنزاع ، فأفاق ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وطردهم وقال : ( قوموا عني ) . ولمّا قال له بعض أهل بيته ألا نأتيك بالّذي طلبت وان رغمت معاطس ؟ فقال : ( أبعد الّذي قال قائلكم ) هذا بعض ما في كلام ابن تيمية من شطط في القول وخطل في الرأي .
[1] أنظر الملل والنحل للشهرستاني 1 / 23 ط الثانية سنة 1395 ه - .