شعوبية بغيضة : ولست الآن في صدد الخوض عن العروبة وما لها وما عليها ، بل كفانا ذلك القرآن الحكيم الذي دعا أولاً الناس كافة بقوله : * ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) * ، ثم خاطب المؤمنين بعد انتشار الإسلام بقوله : * ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) * ، ولم يرد فيه أيّ نداء لأمة حسب هويّتها القومية . وإنّما الذي دعاني إلى تقديم ما ذكرت ما قد يجده القارئ من آيات أو أحاديث - مدحاً أو ذماً - للعرب ، وهو يتخيّل أنّ ذلك لجميع العرب ، ولم يفرق بين العرب والأعراب من جهة ، كما أنه قد يُخدع بما يجده في مثل صحيح البخاري مثلاً حين يقرأ باب قصة زمزم وجهل العرب ثم لا يجد فيه إلاّّ الحديث التالي : أخرج البخاري في صحيحه كتاب المناقب ( باب قصة زمزم وجهل العرب ) - فالعنوان إن دل على شيء إنما يدل على شعوبية بغيضة - بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « إذا سرّك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة في سورة الأنعام * ( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ) * إلى قوله : * ( قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ) * [1] » [2] . فيتخيّل القارئ أنّ ذلك القول - إن صحت نسبته إلى ابن عباس رضي الله عنه - هو عن كل العرب وليس ذلك بصحيح .
[1] الأنعام / 140 . [2] صحيح البخاري 4 / 185 ط سنة 1314 الأميرية بولاق ، وانظر شرح فتح الباري لابن حجر 7 / 362 ، وشرح إرشاد الساري للقسطلاني 6 / 8 .