مساعد باك لبكائهم ، جازع لجزعهم وحملت نفسي على الصّبر عند وفاته بلزوم الصّمت والاشتغال بما أمرني به من تجهيزه ، وتغسيله وتحنيطه وتكفينه ، والصّلاة عليه ، ووضعه في حفرته ، وجمع كتاب الله وعهده إلى خلقه ، لا يشغلني عن ذلك بادر دمعة ولا هائج زفرة ولا لاذع حرقة ولا جزيل مصيبة حتّى أدّيت في ذلك الحقّ الواجب لله عزّوجلّ ولرسوله ( صلى الله عليه وآله ) عليّ ، وبلّغت منه الّذي أمرني به ، واحتملته صابراً محتسباً ، ثمّ التفت ( عليه السلام ) إلى أصحابه فقال : أليس كذلك ؟ قالوا : بلى يا أمير المؤمنين . فقال ( عليه السلام ) : وأمّا الثّانية يا أخا اليهود ، فإنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمّرني في حياته على جميع أمّته وأخذ على جميع من حضره منهم البيعة والسّمع والطّاعة لأمرى ، وأمرهم أن يبلّغ الشّاهد الغائب ذلك ، فكنت المؤدّى إليهم عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمره إذا حضرته والأمير على من حضرني منهم إذا فارقته ، لا تختلج في نفسي منازعة أحد من الخلق لي في شئ من الأمر في حياة النّبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ولا بعد وفاته ، ثمّ أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بتوجيه الجيش الّذي وجّهه مع أسامة بن زيد عند الذّي أحدث الله به من المرض الّذي توفّاه فيه ، فلم يدع النّبيّ أحداً من أفناء العرب ولا من الأوس والخزرج وغيرهم من سائر النّاس ممّن يخاف على نقضه ومنازعته ولا احداً ممّن يراني بعين البغضاء ممّن قد وترته بقتل أبيه أو أخيه أو حميمه إلاّ وجّهه في ذلك الجيش ، ولا من المهاجرين والأنصار والمسلمين وغيرهم والمؤلّفة قلوبهم والمنافقين ، لتصفو قلوب من يبقى معي بحضرته ، ولئلا يقول قائل شيئاً ممّا أكرهه ، ولا يدفعني دافع من الولاية والقيام بأمر رعيّته من بعده ثمّ كان آخر ما تكلّم به في شئ من أمر أمّته أن يمضى جيش أسامة ولا يتخلّف عنه أحد ممّن انهض معه ، وتقدّم في ذلك أشدّ التقدّم وأوعز فيه أبلغ الايعاز ، وأكّد فيه أكثر التأكيد فلم أشعر بعد أن قبض النّبيّ ( صلى الله عليه وآله ) إلاّ برجال من بعث أسامة بن زيد وأهل عسكره قد تركوا مراكزهم ، وأخلوا مواضعهم ، وخالفوا أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيما أنهضهم له وأمرهم به وتقدّم إليهم من ملازمة أميرهم والسّير معه تحت لوائه حتّى ينفذ لوجهه الّذي أنفذه إليه ، فخلّفوا أميرهم مقيماً في عسكره ،