قال ورقة بن عبد الله : فقلت : يا جارية إنّي لأظنّك من موالى أهل البيت ( عليهم السلام ) فقالت : أجل ، قلت لها : ومن أنت من مواليهم ؟ قالت : أنا فضّة أمة فاطمة الزّهراء ابنة محمّد المصطفى صلّى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها . فقلت لها : مرحباً بك وأهلاً وسهلاً ، فلقد كنت مشتاقاً إلى كلامك ومنطقك فأريد منك السّاعة أن تجيبينى من مسألة أسألك ، فإذا أنت فرغت من الطّواف قفى لي عند سوق الطّعام حتّى آتيك وأنت مثابة مأجورة ، فافترقنا . فلمّا فرغت من الطّواف وأردت الرّجوع إلى منزلي جعلت طريقي على سوق الطّعام وإذا أنا بها جالسة في معزل عن النّاس ، فأقبلت عليها واعتزلت بها و أهديت إليها هديّة ولم اعتقد انّها صدقة ، ثمّ قلت لها : يا فضّة أخبريني عن مولاتك فاطمة الزّهراء ( عليها السلام ) وما رأيت منها عند وفاتها بعد موت أبيها محمّد ( صلى الله عليه وآله ) . قال ورقة : فلمّا سمعت كلامي تغرغرت عيناها بالدّموع ثمّ انتحبت نادبة وقالت : يا ورقة بن عبد الله هيّجت عليّ حزناً ساكناً ، وأشجاناً في فؤادي كانت كامنة ، فاسمع الآن ما شاهدت منها ( عليهما السلام ) . اعلم أنّه لمّا قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) افتجع له الصّغير والكبير ، وكثر عليه البكاء ، و قلّ العزاء ، وعظّم رزؤه على الأقرباء والأصحاب والأولياء والأحباب والغرباء و الأنساب ، ولم تلق إلاّ كلّ باك وباكية ، ونادب ونادبة . ولم يكن في أهل الأرض و الأصحاب ، والأقرباء والأحباب ، أشدّ حزنا وأعظّم بكاء وانتحاباً من مولاتي فاطمة الزّهراء ( عليها السلام ) ، وكان حزنها يتجدّد ويزيد ، وبكاؤها يشتدّ . فجلست سبعة أيّام لا يهدأ لها أنين ، ولا يسكن منها الحنين ، كلّ يوم جاء كان بكاؤها أكثر من اليوم الأوّل ، فلمّا كان في اليوم الثّامن أبدت ما كتمت من الحزن ، فلم تطق صبراً إذ خرجت وصرخت ، فكأنّها من فم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تنطق ; فتبادرت النّسوان ، وخرجت الولائد والولدان ، وضجّ النّاس بالبكاء والنّحيب وجاء النّاس من كلّ مكان ، وأطفئت المصابيح لكيلا تتبيّن صفحات النّساء وخيّل إلى النّسوان أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد قام من قبره ، وصارت النّاس في دهشة وحيرة لمّا قد رهقهم ،