وأمرت بي إلى النار ، فهبني يا إلهي ! وسيّدي ، ومولاي ، وربّي ، صبرت على عذابك ، فكيف أصبر على فراقك » . نعم ، هذه نعمة لا تعادلها نعمة ، ومزيّة تفوق كلّ مزيّة ، تفوق ملازمة التقوى ، وممارسة الوظائف الضروريّة ، وبهذه المزايا العالية قاموا في وجوه الجبّارين ، يتحمّلون في ذلك المشاقّ ، ويتجرّعون الغصص ، يصبرون على مرّ الأمور ، يصبرون ولهم في العين قذى ، وفي الحلق شجى ، عانوا صنوقاً مرهقة ، من القسوة والشدّة ، من بني أميّة وبني العبّاس ، يرون أموال الناس نهباً ، وعباد الله خولاً ، يتملّكون أموال الناس ، وما جعل الله لهم لمعايشهم ، وينفقونها على العابثين وأهل المجون ، أصحاب الخمر والغناء . فهذا الإمام العظيم عليّ بن محمّد الهادي ( عليهما السلام ) ، روحي لتراب مقدمه الفداء ، الممثّل الوحيد للجبهة المعارضة للحكم العبّاسيّ ، تفد إليه الوفود ، وينثالون عليه من كلّ جانب ، يهدون إليه التحف ، ويمدّونه بالأموال ، حتّى خاف الطاغية الغشوم ، المتوكّل على نفسه ، فأمر بإزعاجه إلى سامرّاء ، مركز الحكومة ، ليكون محضراً عنده يرصد حركاته ، ويتعرّف أحبّائه ، ويقف على ماله من النفوذ العميق في نفوس شتّى الطوائف ، ويضيق عليه مع ذلك أيّما تضييق ، حتّى يقيّض جلاوزته الأجلاف أن يهجموا داره في أنصاف الليل ، ويأتوا به على زيّه ، ولا يرخّصوا له في تغيير ملبسه . فأتوا به إلى المتوكّل ، والمتوكّل خمل سكران ، فأنذره الإمام ( عليه السلام ) وذكّره بالآخرة ، وله في تلك الحالة ، من الوقار ما خضع له ذلك الجبّار ، وكان قد أراد الفتك به . ويوماً أحضره والناس صفوف عن يمين وشمال ، ينظرون إليه في روانه وبهائه ، وهو ( عليه السلام ) يأتي لا يلتفت يميناً ولا شمالاً ، ورجل من عرض الناس