ووثب إليه أبو محمّد الموفّق فقصده أبو محمّد ( عليه السلام ) فعانقه ثمّ قال له : مرحباً بابن العمّ . وجلس بين بابي الرواق والناس كلّهم بين يديه ، وكانت الدار كالسوق بالأحاديث . فلمّا خرج وجلس أمسك الناس ، فما كنّا نسمع شيئاً إلاّ العطسة والسعلة ، وخرجت جارية تندب أبا الحسن ( عليه السلام ) . فقال أبو محمّد ( عليه السلام ) : ما هاهنا من يكفي مؤونة هذه الجاهلة ؟ ! فبادر الشيعة إليها فدخلت الدار ثمّ خرج خادم فوقف بحذاء أبي محمّد ( عليه السلام ) ، فنهض ( صلّى اللّه عليه ) وأُخرجت الجنازة . . . وقد كان أبو محمّد ( عليه السلام ) [ صلّى عليه ] قَبل أن يخرج إلى الناس وصلّى عليه لمّا أخرج المعتمد ، ثمّ دفن في دار من دوره . واشتدّ الحرّ على أبي محمّد ( عليه السلام ) وضغطه الناس في طريقه ومنصرفه من الشارع بعد الصلاة عليه . فصار في طريقه إلى دكّان بقّال رآه مرشوشاً فسلّم واستأذنه في الجلوس فأذن له وجلس ، ووقف الناس حوله . فبينا نحن كذلك ، إذ أتاه شابّ حسن الوجه ، نظيف الكسوة ، على بغلة شهباء ، على سرج ببرذون أبيض قد نزل عنه ، فسأله أن يركبه ، فركب حتّى أتى الدار ونزل ، وخرج في تلك العشيّة إلى الناس ما كان يحزم عن أبي الحسن ( عليه السلام ) حتّى لم يفقدوا منه إلاّ الشخص . وتكلّمت الشيعة في شقّ ثيابه وقال بعضهم : هل رأيتم أحداً من الأئمّة شقّ ثوبه في مثل هذه الحال ؟ فوقّع إلى من قال ذلك : يا أحمق ! ما يدريك ما هذا ؟ قد شقّ موسى على هارون ( عليهما السلام ) [1] .
[1] إثبات الوصيّة : 243 ، س 1 . يأتي الحديث بتمامه في رقم 195 .