فتوجّه الزائر إلى الحرم وقال بانكسار : بأبي أنتما وأُمّي ! أردت زيارتكما بخضوع وخشوع ، وقد اطّلعتما على منعه إيّاي ، فأخرجه المزوّر ، وغلّق الأبواب ظنّاً منه أنّه يرجع إليه ويعطيه بكلّ ما يقدر عليه ، وتوجّه إلى الطرف الشرقي قاصداً السلوك إلى الشبّاك الذي في الطرف الغربيّ . فلمّا وصل إلى الركن ، وأراد الانحراف إلى طرف الشبّاك ، رأى ثلاثة أشخاص مقبلين ، صافّين ، إلاّ أنّ أحدهم متقدّم على الذي في جنبه بيسير ، وكذا الثاني ممّن يليه ، وكان الثالث هو أصغرهم ، وفي يده قطعة رمح ، وفي رأسه سنان ، فبهت المزوّر عند رؤيتهم ، فتوجّه صاحب الرمح إليه وقد امتلأ غيظاً واحمرّت عيناه من الغضب ، وحرّك الرمح مريداً طعنه قائلاً : يا ملعون ابن الملعون ! كأنّه جاء إلى دارك أو إلى زيارتك فمنعته ؟ فعند ذلك توجّه إليه أكبرهم ، مشيراً بكفّه ، مانعاً له قائلاً : جارك ارفق بجارك ! فأمسك صاحب الرمح ، ثمّ هاج غضبه ثانياً محرّكاً للرمح ، قائلاً ما قاله أوّلاً ، فأشار إليه الأكبر أيضاً كما فعل ، فأمسك صاحب الرمح . وفي المرّة الثالثة لم يشعر المزوّر أن سقط مغشيّاً عليه ، ولم يفق إلاّ في اليوم الثاني ، أو الثالث ، وهو في داره أتوا به أقاربه ، بعد أن فتحوا الباب عند المساء لمّا رأوه مغلقاً ، فوجدوه كذلك وهم حوله باكون ، فقصّ عليهم ما جرى بينه وبين الزائر والأشخاص ، وصاح : أدركوني بالماء ! فقد احترقت وهلكت ، فأخذوا يصبّون عليه الماء ، وهو يستغيث إلى أن كشفوا عن جنبه ، فرأوا مقدار درهم منه قد اسودّ ، وهو يقول : قد طعنني صاحب القطعة . . . . والظاهر أنّ اسم هذا الخبيث كان حسّاناً [1] . والحكاية طويلة أخذنا منها موضع الحاجة .