أقاصيها ، فإنّ لكلّ وليّ لأولياء اللّه عزّ وجلّ عدوّاً مقارعاً وضدّاً منازعاً افتراضاً لمجاهدة أهل النفاق ، وخلاعة أولي الإلحاد والعناد ، فلا يوحشنّك ذلك . واعلم ! أنّ قلوب أهل الطاعة والإخلاص نزّع إليك مثل الطير إلى أوكارها ، وهم معشر يطلعون بمخائل الذلّة والاستكانة ، وهم عند اللّه بررة أعزّاء يبرزون بأنفس مختلّة محتاجة ، وهم أهل القناعة والاعتصام ، استنبطوا الدين فوازروه على مجاهدة الأضداد ، خصّهم اللّه باحتمال الضيم في الدنيا ليشملهم باتّساع العزّ في دار القرار ، وجبلهم على خلائق الصبر لتكون لهم العاقبة الحسنى ، وكرامة حسن العقبى ، فاقتبس يا بنيّ ! نور الصبر على موارد أمورك تفز بدرك الصنع في مصادرها ، واستشعر العزّ فيما ينوبك تحظ بما تحمد غبّه [1] إن شاء اللّه . وكأنّك يا بنيّ ! بتأييد نصر اللّه وقد آن ، وتيسير الفلج وعلوّ الكعب وقد حان ، وكأنّك بالرايات الصفر ، والأعلام البيض تخفق على أثناء أعطافك ما بين الحطيم وزمزم ، وكأنّك بترادف البيعة ، وتصافي الولاء يتناظم عليك تناظم الدرّ في مثاني العقود وتصافق الأكفّ على جنبات الحجر الأسود ، تلوذ بفنائك من ملأبراهم اللّه من طهارة الولاة ونفاسة التربة ، مقدّسة قلوبهم من دنس النفاق ، مهذّبة أفئدتهم من رجس الشقاق ، لينة عرائكهم للدين ، خشنة ضرائبهم عن العدوان ، واضحة بالقبول أوجههم ، نضرة بالفضل عيدانهم ، يدينون بدين الحقّ وأهله ، فإذا اشتدّت أركانهم ، وتقوّمت أعمادهم فدت بمكانفتهم [2] طبقات الأُمم إلى إمام إذ تبعتك في ظلال شجرة دوحة تشعّبت أفنان غصونها على حافاة بحيرة الطبريّة ، فعندها يتلألؤ صبح الحقّ ، وينجلي ظلام الباطل ، ويقصم اللّه بك
[1] الغِبّ بالكسر أيضاً : عاقبة الشيء . مجمع البحرين : 2 / 130 ، ( غبب ) . [2] المكانفة : المعاونة . لسان العرب : 9 / 308 ، ( كنف ) .