والمعاتب بيني وبينك على تشاحط الدار وتراخى المزار ، تتخيّل لي صورتك حتّى كأنّا لم نخل طرفة عين من طيب المحادثة ، وخيال المشاهدة ، وأنا أحمد اللّه ربّي ، وليّ الحمد على ما قيّض من التلاقي ، ورفّه من كربة التنازع ، والاستشراف عن أحوالها متقدّمها ومتأخّرها . فقلت : بأبي أنت وأُمّي ! ما زلت أفحص عن أمرك بلداً فبلداً منذ استأثر اللّه بسيّدي أبي محمّد ( عليه السلام ) فاستغلق علي ذلك حتّى منّ اللّه علي بمن أرشدني إليك ودلّني عليك ، والشكر للّه على ما أوزعني فيك من كريم اليد والطول . ثمّ نسب نفسه وأخاه موسى واعتزل بي ناحية . ثمّ قال : إنّ أبي ( عليه السلام ) عهد إليّ أن لا أوطّن من الأرض إلاّ أخفاها وأقصاها إسراراً لأمري ، وتحصيناً لمحلّي لمكائد أهل الضلال والمردة من أحداث الأُمم الضوالّ ، فنبذني إلى عالية الرمال وجبت صرائم [1] الأرض ينظرني الغاية التي عندها يحلّ الأمر ، وينجلي الهلع [2] ، وكان ( عليه السلام ) أنبط لي من خزائن الحكم وكوامن العلوم ما إن أشعت إليك منه جزءً أغناك عن الجملة . واعلم يا أبا إسحاق ! إنّه قال ( عليه السلام ) : يا بنيّ ! إنّ اللّه جلّ ثناؤه لم يكن ليخلّي أطباق أرضه وأهل الجدّ في طاعته وعبادته بلا حجّة يستعلي بها وإمام يؤتمّ به ، ويقتدى بسبيل سنّته ومنهاج قصده . وأرجو يا بنيّ ! أن تكون أحد مَن أعدّه اللّه لنشر الحقّ ، ووطىء الباطل ، وإعلاء الدين ، وإطفاء الضلال ، فعليك يا بنيّ ! بلزوم خوافي الأرض ، وتتبّع
[1] الصريم : أرض سوداء لا تنبت شيئاً . . . ، وقيل : الأرض المحصودة ، لسان العرب : 12 / 336 ، ( صرم ) . [2] الهلع : الفقر والفاقة . مجمع البحرين : 4 / 411 .