فأمنعها من ذلك ، فأقبّل يدها إجلالا وإكراماً للمحلّ الذي أحلّه اللّه تعالى فيها . فمكثت بعد ذلك إلى أن مضى أخي أبو الحسن ( عليه السلام ) ، فدخلت على أبي محمّد ( عليه السلام ) ذات يوم ، فقال : يا عمّتاه ! إنّ المولود الكريم على اللّه ورسوله سيولد ليلتنا هذه ، فقلت : يا سيّدي ! في ليلتنا هذه ؟ ! قال : نعم ، فقمت إلى الجارية فقلّبتها ظهراً لبطن ، فلم أر بها حملا . فقلت : يا سيّدي ! ليس بها حمل ، فتبسّم ضاحكاً وقال : يا عمّتاه ! إنّا معاشر الأوصياء ليس يحمل بنا في البطون ، ولكنّا نحمل في الجنوب . فلمّا جنّ الليل صرت إليه ، فأخذ أبو محمّد ( عليه السلام ) محرابه ، فأخذت محرابها فلم يزالا يحييان الليل ، وعجزت عن ذلك ، فكنت مرّةً أنام ومرّةً أصلّي إلى آخر الليل ، فسمعتها آخر الليل في القنوت ، لمّا انفتلت من الوتر مسلّمة ، صاحت : يا جارية ! الطست ، فجاءت بالطست ، فقدمته إليها ، فوضعت صبيّاً كأنّه فلقة قمر ، على ذراعه الأيمن مكتوب : ( جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَطِلُ إِنَّ الْبَطِلَ كَانَ زَهُوقًا ) [1] . وناغاه ساعةً حتّى استهلّ ، وعطس ، وذكر الأوصياء قبله ، حتّى بلغ إلى نفسه ، ودعا لأوليائه على يده بالفرج . ثمّ وقعت ظلمة بيني وبين أبي محمّد ( عليه السلام ) فلم أره ، فقلت : يا سيّدي ! أين المولود الكريم على اللّه ؟ قال : أخذه من هو أحقُّ به منك ، فقمت وانصرفت إلى منزلي ، فلم أره . وبعد أربعين يوماً دخلت دار أبي محمّد ( عليه السلام ) ، فإذا أنا بصبي يدرُجُ في الدار ، فلم أرَ وجهاً أصبح من وجهه ، ولا لغةً أفصح من لغته ، ولا نغمة أطيب من نغمته .