حجّابه ، فقالوا له : إنّ ابن الرضا على الباب . فقال بصوت عال : ائذنوا له ، فدخل رجل أسمر أعين حسن القامة ، جميل الوجه ، جيّد البدن ، حدث السنّ ، له جلالة وهيبة ، فلمّا نظر إليه أبي قام ، فمشى إليه خطى ، ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم ، ولا بالقوّاد ، ولا بأولياء العهد ، فلمّا دنا منه عانقه ، وقبّل وجهه ومنكبيه ، وأخذ بيده ، فأجلسه على مصلاّه الذي كان عليه ، وجلس إلى جنبه مقبلاً عليه بوجهه ، وجعل يكلّمه ويكنّيه ، ويفديه بنفسه وبأبويه . . . . فقلت له : يا أبة ! من كان الرجل الذي أتاك بالغداة ، وفعلت به ما فعلت من الإجلال و الإكرام والتبجيل ، وفديته بنفسك وبأبويك ؟ فقال : يا بنيّ ! ذاك إمام الرافضة ، ذاك ابن الرضا ، فسكت ساعة . فقال : يا بنيّ ! لو زالت الخلافة عن خلفاء بني العبّاس ما استحقّها أحد من بني هاشم غير هذا ، فإنّ هذا يستحقّها في فضله ، وعفافه ، وهديه ، وصيانة نفسه ، وزهده ، وعبادته ، وجميل أخلاقه وصلاحه ، ولو رأيت أباه لرأيت رجلاً جليلاً نبيلاً خيّراً فاضلاً ، فازددت قلقاً وتفكّراً وغيظاً على أبي ممّا سمعت منه فيه ، ولم يكن لي همّة بعد ذلك إلاّ السؤال عن خبره ، والبحث عن أمره ، فما سألت عنه أحداً من بني هاشم ، ومن القوّاد والكتّاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس إلاّ وجدته عندهم في غاية الإجلال والإعظام ، والمحلّ الرفيع ، والقول الجميل ، والتقديم له على جميع أهل بيته ومشايخه وغيرهم ، وكلّ يقول : هو إمام الرافضة ، فعظم قدره عندي إذ لم أر له وليّاً ولا عدوّاً إلاّ وهو يحسن القول فيه والثناء عليه . . . [1] .
[1] إكمال الدين وإتمام النعمة : 40 ، س 8 . يأتي الحديث بتمامه في ج 2 ، رقم 462 .