صبرا على قضائك يا رب ، لا إله سواك يا غياث المستغيثين ( 1 ) ، ما لي رب سواك ، ولا معبود غيرك ، صبرا على حكمك يا غياث من لا غياث له ، يا دائما لا نفاد له ، يا محيي الموتى ، يا قائما على كل نفس بما كسبت ، احكم بيني وبينهم وأنت خير الحاكمين " ( 2 ) . ونسبت إليه هذه الأبيات الشعرية في تلك الساعة : إلهي تركت الخلق طرا في هواكا * وأيتمت العيال لكي أراكا فلو قطعتني في الحب إربا * لما مال الفؤاد إلى سواكا وكيف لا تكون هذه ترانيمه العرفانية وكلماته الإلهية وهو صاحب أعظم دعاء في يوم عرفة ، الذي قال فيه مخاطبا رب العالمين : " عميت عين لا تراك ، ولا تزال عليها رقيبا ، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيبا " . وقال المؤرخون : لما قتل أبو عبد الله الحسين ( عليه السلام ) مال الناس على ثقله ومتاعه ، وانتهبوا ما في الخيام ( 3 ) ، وأضرموا النار فيها ، وتسابق القوم على سلب حرائر الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، ففررن بنات الزهراء ( عليها السلام ) مسلبات باكيات ( 4 ) ( 5 ) . هل عرفت الأخلاق الجاهلية كيف عادت إلى أولئك العرب ! ؟ يا لها من مأساة سودت وجه تاريخ العروبة ، يا ليتها لم تكن في زمن الاسلام لكيلا تتلوث بها سمعته النقية وشرفه السامي . لقد كان جزاء الرسول ( صلى الله عليه وآله ) الذي أنقذهم من حياة البؤس والشقاء أن عدوا على ذريته فسفكوا دماءهم ، واقترفوا منهم ما تقشعر منه الجلود وتندى له الوجوه . . وقد استجاب الله دعاء الإمام فانتقم له من أعدائه المجرمين ، فلم يلبثوا قليلا حتى اجتاحتهم الفتن والعواصف ، فقد هب الثائر العظيم المختار الثقفي طالبا بدم الإمام المظلوم فأخذ يطاردهم ويلاحقهم ، وقد هربوا في البيداء وشرطة المختار تطاردهم حتى أباد الكثيرين منهم . يقول الزهري لم يبق من قتلة الحسين أحد إلا عوقب إما بالقتل أو العمى أو سواد
1 - كما في أسرار الشهادة : 423 . 2 - كما في رياض المصائب : 33 . 3 - الكامل 4 : 22 . 4 - تاريخ الطبري 6 : 260 . 5 - نقلا عن كتاب الأخلاق الحسينية / ص 291 .