والاستعداد للبلاء ، وأمرهن بالخلود إلى الصبر والتسليم لقضاء الله قائلا : " استعدوا للبلاء ، واعلموا أن الله تعالى حاميكم وحافظكم ، وسينجيكم من شر الأعداء ، ويجعل عاقبة أمركم إلى خير ، ويعذب عدوكم بأنواع العذاب ، ويعوضكم عن هذه البلية بأنواع النعم والكرامة فلا تشكوا ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص قدركم " ( 1 ) . وذابت أسى أرواح بنات الرسول ( صلى الله عليه وآله ) حينما رأين الإمام بتلك الحالة يتعلقن به ويودعنه ، وقد وجلت منهن القلوب ، واختطف الرعب ألوانهن ، والتاع الإمام حينما نظر إليهن وقد سرت الرعدة بأوصالهن ( 2 ) . يقول الإمام كاشف الغطاء : من ذا الذي يقتدر أن يصور لك الحسين ( عليه السلام ) وقد تلاطمت أمواج البلاء حوله ، وصبت عليه المصائب من كل جانب ، وفي تلك الحال عزم على توديع العيال ومن بقي من الأطفال ، فاقترب من السرادق المضروب على حرائر النبوة وبنات علي والزهراء ( عليهما السلام ) فخرجت المخدرات كسرب القطا المذعورة ، فأحطن به وهو سابح بدمائه ، فهل تستطيع أن تتصور حالهن وحال الحسين في ذلك الموقف الرهيب ولا يتفطر قلبك ، ولا يطيش لبك ، ولا تجري دمعتك ( 3 ) ؟ لقد كانت محنة الإمام في توديعه لعياله من أقسى وأشق ما عاناه من المحن والخطوب ، فقد لطمن بنات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وجوههن ، وارتفعت أصواتهن بالبكاء والعويل ، وهن يندبن جدهن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وألقين بأنفسهن عليه لوداعه ، وقد أثر ذلك المنظر المريع في نفس الإمام الحسين ( عليه السلام ) بما لا يعلم بمداه إلا الله . وهنا نادى ذلك الرجس الخبيث عمر بن سعد بقواته المسلحة يحرضها على الهجوم على الإمام قائلا : إهجموا عليه ما دام مشغولا بنفسه وحرمه ، فوالله إن فرغ لكم لا تمتاز ميمنتكم عن ميسرتكم . وحمل عليه الأخباث فجعلوا يرمونه بالسهام ، وتخالفت السهام بين أطناب المخيم ، وأصاب بعضها ازر بعض النساء فذعرن ودخلن الخيمة ، وخرج بقية الله في الأرض الحسين الباسل كالليث الغضبان على أولئك الممسوخين ، فجعل يحصد رؤوسهم
1 - مقتل الحسين / ص 337 - للمقرم . 2 - حياة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ج 3 / ص 283 . 3 - حياة الإمام الحسين ( عليه السلام ) نقلا عن جنة المأوى / ص 115 .