وأقبل عمرو بن الحجاج ، وكان ممن كاتب الحسين بالقدوم إلى الكوفة حتى قرب من معسكر الحسين فرفع صوته : يا حسين هذا الفرات تلغ فيه الكلاب ، وتشرب فيه الحمير والخنازير ، والله لا تذوق منه جرعة حتى تذوق الحميم في نار جهنم . وأقبل عبد الله بن حصين الأزدي يشتد كأنه الكلب نحو الإمام فنادى : يا حسين ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء ، والله لا تذوق منه قطرة حتى تموت عطشا ! فرفع الإمام يديه بالدعاء عليه وقال : " اللهم اقتله عطشا ، ولا تغفر له أبدا " . لقد فخر أولئك الأجلاف باحتلالهم لماء الفرات ، تقربا لسيدهم ابن مرجانة وإرضاء لعواطفه لينالوا جوائزه وهباته . أرأيت يا أخي ما هو الفرق بين أخلاق الحسين إمام الكرام ، وبين أخلاق الحقراء اللئام ؟ وهذا هو ما تذكره الحر بن يزيد الرياحي حينما التحق بمعسكر الإمام ( عليه السلام ) وتاب على يده ، فلم يتأخر عند الإمام خجلا من موقفه السابق منه ، وغضبا على أولئك اللئام ، فقد كتب المؤرخون انه خرج إلى جيش ابن سعد فرفع صوته قائلا : " يا أهل الكوفة لامكم الهبل والعبر إذ دعوتموه ، وأخذتم بكظمه وأحطتم به من كل جانب ، فمنعتموه التوجه إلى بلاد الله العريضة حتى يأمن وأهل بيته ، وأصبح كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، وملأتموه - أي منعتموه - ونساءه وصبيته وصحبه عن ماء الفرات الجاري الذي تشربه اليهود والنصارى والمجوس ، وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه ، وها هم قد صرعهم العطش ، بئسما خلفتم محمدا في ذريته ، لا سقاكم الله يوم الظمأ " ( 1 ) . لقد صبر الحسين ومن معه حتى الأطفال والبراعم الأبرياء ، تحملوا من الظلم ما لم يستطع تحمله غيرهم ، وكان صبرهم من أجل إحياء القيم الأخلاقية بين الناس . اللهم علمنا جميل الصبر وأعطنا عظيم الأجر بعد أن توفقنا لأخلاق الحسين وقيم الذين كانوا معه .
1 - حياة الإمام الحسين ( عليه السلام ) / ج 3 ص 136 - 140 ( مع تغيير وإضافات ) .