نقول كما قال معمر بن راشد لما ذكر اختلاف عائشة وابن عباس في هذه المسألة : ما عائشة عندنا أعلم من ابن عباس نقول : عائشة الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله عالمة فقيهة ، كذلك ابن عباس رضي الله عنهما ابن عم النبي ( ص ) قد دعا النبي ( ص ) له أن يرزق الحكمة والعلم وهذا المعنى من الدعاء ، وهو المسمى ترجمان القرآن ، وقد كان الفاروق يسأله عن بعض معاني القرآن فيقبل منه وإن خالفه غيره ممن هو أكبر سناًّ منه وأقدم صحبة للنبي ( ص ) وإذا اختلفا فمحال أن يقال قد أعظم ابن عباس الفرية على الله ، لأنه قد أثبت شيئاً نفته عائشة . . . فكيف يجوز أن يقال أعظم الفرية على الله من أثبت شيئاً لم يبينه كتاب ولا سنة ، فتفهموا هذا لا تغالطوا . . . ) إلخ . هذا كلام ابن خزيمة أستاذ أصحاب الصحاح وإمام الأئمة ، وقد أطال الكلام وعمل المستحيل ليثبت خطأ عائشة في نفي رؤية النبي صلى الله عليه وآله لربه بعينه ! وبلغ من حملته على عائشة أن محقق كتابه الشيخ محمد خليل هراس المدرس بكلية أصول الدين بالأزهر لم يتحمل منه ذلك ، وكتب في رده تعليقات نذكر منها ما يلي : - إن عذر عائشة أنها كانت تستعظم ذلك وتستنكره ولهذا قالت لمسروق ( لقد قفَّ شعري مما قلت ) ! وليس من حق المؤلف أن يعلم أمه الأدب فهي أدرى بما تقول منه ! إن عائشة لم تعين في كلامها أحداً ولكن قالت : من زعم بصيغة العموم . - لم يثبت عن ابن عباس أنه قال رآه بعينه ، ولكن قال بقلبه وبفؤاده . كيف وجمهور الصحابة معها في إنكار الرؤية بالعين كابن مسعود وغيره . . . عجباً لإمام الأئمة كيف خانه علمه فتوهم أن المنفي هو إدراك الأبصار له إذا اجتمعت ، فإذا انفرد واحد منها أمكن أن يراه ! فهل إذا قال قائل : لا آكل الرمان ، يكون معنى هذا أنه لا يأكل الحبات منه ولكن يأكل الحبة ! يرحم الله ابن خزيمة فلقد كبا ! ولكل جواد كبوة . ونضيف إلى ما ذكره الهرَّاس : أنا لم نجد حديثاً في مصادرهم عن الرؤية بالعين إلا سؤال أبي ذر وعائشة للنبي صلى الله عليه وآله وقد أجاب بنفيها ! فقولهم رأى ربه بعينه من اجتهادهم ! والتعارض في الحقيقة بين حديث أبي ذر وعائشة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نفى الرؤية وبين اجتهادهم مقابل النص النافي لرؤية العين ! كما أن روايتهم عن ابن عباس متعارضة ومضطربة ، فلا بد لهم من القول بسقوطها والرجوع إلى الأصل الذي هو عدم ثبوت ذلك عنه ، وقد نقل ابن خزيمة نفسه قبل هجومه على عائشة أحاديث عن ابن عباس ينفي فيها الرؤية بالعين ! قال في ص 200 : ( وقد اختلف عن ابن عباس في تأويله قوله : ولقد رآه نزلة أخرى ،