ضاقت بهم ساحة البيت العتيق وقد تجمعوا هناك يهدرون بالوعيد ، فيكاد من يراهم يحسبهم محتشدين تأهبا لقتال . وجاء العدو ، فردا أعزل إلا من إيمانه . . أقبل المصطفى على الحرم يمشي خاشعا حتى استلم الركن ، ثم مر بهم طائفا بالكعبة لا يلقي إليهم بالا . وقصرت عنه أيديهم ورماحهم ، وطالت ألسنتهم يلمزونه ببعض القول . ومضى في طوافه ، فكلما مر بهم تطاولت ألسنتهم بالغمز واللمز ، حتى أتم الطواف فواجههم فردا ، ليس معه سلاح غير كلمات ربه . وتلا كلمة ، وقعت عليهم كالصاعقة فما منهم رجل إلا كأن على رأسه طائرا وقع . وانكمشوا متضائلين ، حتى ليقول من كان أصخبهم هديرا وأنكرهم صوتا : ( انصرف يا أبا القاسم ، فوالله ما كنت جهولا ) . وانصرف أبو القاسم عليه الصلاة والسلام ، فما كاد يغيب عن أبصارهم حتى عادوا أسودا غضابا ، يقول بعضهم لبعض متلاومين : - ذكرتم ما أصابكم من أمر محمد ، حتى إذا باداكم بكلمة مما تكرهون تركتموه ؟ وأجمعوا أمرهم من جديد للقاء العدو ! فلما كان الغد وجاء المصطفى يصحبه أبو بكر ، لم يمهلوه حتى