النور ملء قلبه وبصيرته ، والكلمات ملء فكره ومسمعه . ولكنه في حيرة من أمره ، يعييه أن يستوعب السر الأعظم الذي تجلى له ، ويأخذه من جلاله ما يشبه الدوار ، فيكاد لفرط دهشته وعجبه وانبهاره ، لا يدري ما إذا كان في وعي يقظته أم تلك رؤيا بصيرة أرهفها طول التأمل في آيات القدرة ، وطول التطلع إلى اجتلاء سر هذا الكون وخالقه ؟ وأحس وطأة العبء الثقيل تجهده وترهقه ، فما بلغ بيته حتى بدا مكدودا مرتعدا شاحبا ، كأنه عائد من سفر شاق طويل . ولمحها هناك في انتظاره : ( خديجة ) التي كانت له على مدى خمس عشرة سنة زوجا وأما ، وكانت له منذ تزوجها ملاذا وسكنا . ودون تفكير أو تردد ألفى نفسه يفضي إليها بما رأى وما سمع ، وهو يحدق في ملامحها إذ تصغي إليه بسمعها وقلبها ، محاولا أن يستبين وقع هذا الامر على أقرب أهله إليه ، وأعزهم عليه ، وأصفاهم له ودا وأرشدهم نصحا ورأيا . وقالتها على الفور ، بكل اليقين والثقة : ( الله يرعانا يا أبا القاسم . أبشر يا ابن عم وأثبت ، فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة . والله لا يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ) . فنفذ صوتها الحار الواثق إلى قلبه ، وأحس راحة الامن والطمأنينة ،