وأرخى الزمن للزوجين السعيدين خمسة عشر عاما ، ارتوى فيها محمد من نبع الحنان معوضا حرمان ماض جاف ظامئ ، ومتزودا لغد مقبل ، حافل بالجهاد والشواغل الجسام . ووعت مكة من أخبار تلك المرحلة ، مشهد محمد بن عبد الله إذ يدخل البيت العتيق ذات يوم ، وهو في نحو الخامسة والثلاثين من عمره ، فإذا الاحياء من قريش هناك في ساحة الحرم ، قد احتدمت بينهم خصومة أنذرت بشر : كانت الكعبة ، قبل ذلك اليوم ، قد مستها شرارة تطايرت من مجمرة إحدى النساء ، فأحرقت ستائرها وأوهت بنيانها . ووقفت قريش تجاه حرمها الأقدس مكتوفة الأيدي لا تدري ماذا تصنع ، حتى شاع خبر عن سفينة رومية جنحت إلى جدة ، فسعى إليها رجال من قريش ، وعادوا بأخشاب السفينة ، ومعهم رجل قبطي كان فيها ، نجار بناء . وتم الاستعداد لتجديد الكعبة ، ولكن قريشا عادت فتهيبت أن تهدم بقايا البناء القديم . حتى قام ( الوليد بن المغيرة المخزومي ) فأخذ المعول وقال : ( اللهم لم نزغ ، اللهم إنا لا نريد إلا الخير ) . ثم أهوى بالمعول والقوم ينظرون إليه مرتاعين ، خائفين عليه وعلى أنفسهم جميعا . فلما لم يصبه سوء ، أبوا إلا أن يتربصوا ليلتهم تلك ليروا عاقبة ما كان . وأصبح ( الوليد ) بخير لم يمسسه سوء ، فهدم وهدم الناس معه .