وأقبلت قريش على كعبتها المقدسة تطيف بها ملبية عابدة ، وتجاوبت آفاق البلد الأمين بدعوات المصلين وتلبيات المحتفلين وأناشيد الشعراء . وآمنة في بيت عبد الله ، تصغي إلى ما يبلغ سمعها من دعاء وهتاف ، فتحس سكينة وغبطة : أن استجاب الله لها فلن تضع وليدها بعيدا عن الحرم الآمن . بعد فترة قصيرة من هلاك أبرهة عام الفيل ، ذاعت في أم القرى بشرى المولد . حدد قوم هذه الفترة بخمسين يوما ( وهو الأكثر والأشهر ) على ما نقل ( السهيلي ) في ( الروض الأنف ) [1] . واكتفى آخرون بأن المولد كان في عام الفيل . جاءها المخاض في وقت السحر من تلك الليلة المقمرة ، فأرهف شعورها بالترقب والتطلع ، مع إحساس برهبة من تجربة الوضع التي طالما سمعت الأمهات يتحدثن عن آلامها ومخاطرها . لكنها ما لبثت أن صرفت بالها كله إلى ما يغمر الدنيا حولها من نور بازغ ، وصرفت سمعها كله إلى هواتف البشرى ، فتجلدت للحظة الحاسمة . وما كاد نور الفجر يهل على الأفق ، حتى كانت قد وضعت وليدها كما تضع كل والدة من البشر .
[1] وانظر الزرقاني في المولد : 1 / 130 ، والنويري في نهاية الإرب 6 / 68 دار الكتب المصرية .