منهم من ولدوا في قصور مصر والشام وفارس والروم . ومنهم من ولدوا في مجاهل القفر ونجوع البوادي وأدغال الغابات وكهوف الجبال . . تباعدت بهم الأصول والأنساب . وتفاوتت الألوان والأجناس ، وتناءت الطبقات وجمعتهم بنوتهم للبشر ، وتماثلت فيهم آية الخلق ، وتشابهت مخاطر الحمل وآلام المخاض ولم تر فيهم الفطرة الانسانية إلا انتصارا لإرادة البقاء وامتدادا للحياة ، على ما بينهم من تفاوت بعيد . وما كان أحد ليلتفت إلى وليد منهم ، وضعته أمه يتيما في حي بني هاشم بجوار الحرم المكي ، في تلك الليلة التي بوركت به ، لولا أن حفت بمولده ظروف غير مألوفة ، جعلت أم القرى تتلقى البشرى بكثير من التأمل والتفكير ، ثم تحرص على أن تستوعب كل ما حف بها أو لابسها من ظروف ، وأن تتابع سير الحياة بهذا الوليد إلى أن بلغ أشده واصطفي خاتما للأنبياء . وحين آن للتاريخ العام أن ينصرف عن أحداث الدنيا في فجر المبعث ليرقب هذا المصطفى للنبوة ، وجد في ذاكرة أم القرى ما