حتى شهر رجب من السنة الثانية للهجرة ، كان المصطفى والذين آمنوا معه ، يتجهون في صلاتهم مستقبلين الشمال ، شطر بيت المقدس . ولم يكن صلى الله عليه وسلم راضيا عن تلك القبلة الأولى ، وطالما رنا في تأملاته إلى البيت العتيق يرجوه قبلة لامته ، لكنه لم يكن يملك أن يغير قبلة المسلمين من تلقاء نفسه ، فليس له إلا أن ينتظر أمر الله سبحانه وتعالى . واستجاب الله لرسوله فولاه القبلة التي يرضاها . وصلى المصطفى والصحابة في دار الهجرة ، مستقبلين المسجد الحرام منذ نزلت آية البقرة ، أولى السور المدنية : ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ، فول وجهك شطر المسجد الحرام ، وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ، وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم ، وما الله بغافل عما يعملون ) . ولم يمض هذا التحول الهام دون جدل من يهود : ذهب نفر من أحبارهم إلى المصطفى عليه الصلاة والسلام يسألونه مساومين : - يا محمد ، ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه ؟ ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك ! وتلا المصطفى من وحي ربه :