رؤوس الجبال والقلاع ليتحصنوا بها وقت الخطر [1] . وبدأ من اليوم الأول للهجرة ، تأهبهم لدورهم الخبيث في مقاومة الاسلام . وقبل أن نمضي مع المصطفى عليه الصلاة والسلام في دار هجرته ، نقف عند نقطة التحول لنتدبر منطقه ونلمح أبعاده ، دون إيغال فيها . لم تكن الهجرة الأولى إلى الحبشة ، ضنا بحياة ذلك الرهط من المسلمين الأولين ، وإنما كانت هجرة في سبيل العقيدة بذلا واحتمالا ، وسلاحا شهروه في وجه الوثنية الغاشمة ، لتدرك مدى ما يطيق المؤمنون احتماله من التضحية والبذل في سبيل ما آمنوا به . أما الهجرة التاريخية إلى يثرب ، فلم تكن بذلا واحتمالا فحسب ، بل كانت كذلك تحركا إلى موقع خطير على حافة الحرب ، فقد أذن الله في القتال للمسلمين الذين أوذوا وظلموا وأخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله . وكان الاذن بالقتال ، من حيث لم تتوقع قريش أو تحتسب . وقد مضى على المبعث أكثر من عشر سنين ونبي الاسلام يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، ويواجه جبروت الوثنية بكلمات من وحي ربه ، كانت على المدى الطويل سلاحه الذي يشهره في وجه الوثنية .
[1] السيرة لابن هشام : 2 / 137 . وتاريخ الطبري : 2 / 248 . ووفاء الوفا للسمهودي : 1 / 244 - وقابل عليها ما في ( تاريخ اليهود في جزيرة العرب ) لإسرائيل ولفنسون : 157 ، 111 .