إلى أن شب ( مالك بن العجلان ) أخو بني سالم بن عوف بن الخزرج ، وسوده الحيان من بني قيلة ، فكان الذي تصدى لأفاعي يهود وقتل بضعة وثمانين من رؤوسها ، فانكمشوا خائفين يلعنونه في بيعهم ومعابدهم كلما دخلوها . ولجأوا إلى أحياء العرب يستجدون الحماية والجوار ( وقد ذلوا وانكسرت شوكتهم وقل امتناعهم ) . وإنما مكن لهم من يثرب بعد ذلك ، ما شب بين الأوس والخزرج من خصام خب فيه يهود ووضعوا ، وسهروا على إلهاب ضرامه لتخلو لهم الأرض الطيبة . وبدأت مرحلة مظلمة في تاريخ يثرب ، استغرقت بضعة قرون قبل الاسلام - من القرن الأول إلى السادس للميلاد - لم تنطفئ فيها نار الحروب بين الأوس والخزرج ، في كل حرب منها نلمح أثر اليهود في تدمير الوجود العربي هناك [1] . وآذن العصر الجاهلي بمغيب ، وهذا العدو الخبيث يتربص بالأوس والخزرج الدوائر ، ليميل مع المنتصر منهما ويسلب المهزوم . والمستعمرات اليهودية في شمال الحجاز تزداد ثراء بما تستنزف من خير الأرض . ومرافق البلاد الحيوية في قبضة مخالب الذئاب الفارة من مخالب النسر الروماني . وقد كانت آخر حرب بين الأوس والخزرج ، يوم بعاث قبل بيعة العقبة الكبرى بأربع سنوات . ودور يهود فيها معروف مشهور :
[1] بمزيد تفصيل ، في الباب الثاني من كتابي ( أعداء البشر ) .