ببيعة العقبة الكبرى ، أوشكت الجولة الأولى من جولات الصراع بين الاسلام والوثنية ، أن تنتهي في مكة لتبدأ جولة أخرى . بعد أن استنفذت تلك المواجهة الأولى ، كل ما لدى قريش من وسائل وذرائع لمقاومة الدعوة ، دون أن تنتقل من موقفها على حافة الحرب إلى صدام مسلح . وبدأ التاريخ يلتفت إلى يثرب التي يتجه إليها مؤشر التحول ، ويستعيد ما طوى من قديم أخبارها [1] . من قديم بعيد موغل في أعماق الماضي إلى عصر ما بعد الطوفان ، بدأ الوجود العربي في يثرب والحجاز . الرواية العربية تقول إن ( سفينة نوح ) رست قريبا من بابل في موضع سمي ( سوق الثمانين ) بعدد من كانوا في السفينة الناجية من الطوفان . وقد مكثوا هناك حتى كثروا وضاقت بهم المنطقة ، فتفرقوا . اتجه بنو عبيل ، أخي عاد ، إلى موضع يثرب ، وهو اسم أحد أبناء عبيل ، فنزلوا به وعمروه . ثم مالوا إلى موضع آخر في المنطقة دهمهم فيه سيل جاحف ، فسمي الجحفة . وظلت يثرب مهجورة إلى أن عمرتها قبيلة من العرب القحطانية العاربة ، بعد تصدع سد مأرب . هذه القبيلة العربية الصميمة ، هي الأوس والخزرج .
[1] مادة هذا الفصل ، مستخلصة من كتاب ( وفاء الوفا ، بأخبار مدينة المصطفى ) للسمهودي . مع مراجعة السيرة لابن هشام ، وتاريخ الطبري .