وظل لمكة مع ذلك ، مركزها الديني لا تنازعها فيه بلدة أخرى . وبقيت مثابة حج العرب في الجاهلية الوثنية ، على مر الحقب والأدهار . وكأنما كان البيت العتيق فيها ، ذكرى شاخصة من عهد إيمانها القديم ، يحمي بقية من الوعي كامنة في العمق الغائر من ضمير الجاهليين ، عبدة الأوثان والكواكب : ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله ) . ومع رسوخ الوثنية العربية في مكة إبان الجاهلية ، لم تستطع قط أن تطوي تماما ذكريات ماضيها الديني وتلقي به في متاهة النسيان . وكان الزمن كلما تقدم بها هزتها رجفة الوعي فخامرها ريب في تلك الأوثان التي تكدست في حرم بيتها العتيق ، لم تنس بها خالقها ، وإن أشركتها معه ، سبحانه ، في التعبد . وكانت القبائل العربية تحج إلى الكعبة في الموسم ، وتطيف كل قبيلة بوثنها ضارعة ملبية ، فتذكر الله من حيث تدري أو لا تدري ، وترفع إليه الضراعة والنجوى ، إما بمنطق الشرك كتلبية أهل فدك ، وفيها أصنام : لبيك إن الحمد لك * والملك لا شريك لك إلا شريك هو لك * تملكه وما ملك أبو بنات بفدك أو على وجه الملاذ إليه وحده في الحج ، وترك أصنامهم ، في