كادت تأنس بها عمن فارقت في مكة من أهل ووطن ، حتى روعت بما لم تروع به مسلمة غيرها : ارتد عبيد الله عن دينه الذي هاجر به إلى الحبشة ، واعتنق النصرانية دين الأحباش . وكادت ( أم حبيبة ) تهلك غما وحسرة : فيم كانت هجرة عبيد الله ، ومحنة البلاء بأذى قومه ؟ لقد كان أكرم له أن يبقى على دين آبائه وأن يناضل عنه مع أهله وعشيرته ، دفاعا عن مقدسات موروثة . أما أن يكفر بدين قومه ويرضى الاسلام دينا ، ليصبأ في الحبشة ويستبدل بالاسلام دينا لقوم غرباء ، كمن يبدل ثوبا بثوب ، فأية مهانة وأي عار ؟ وهذه الوليدة الحبيبة ، ما ذنبها لتبتلى بأب صابئ مرتد ؟ وما جريرتها لتبدأ الحياة في أرض غريبة وقد انبت ما بين أبويها وتمزق شمل أهلها وتوزعتهم ملل شتى : فأبوها نصراني ، وأمها مسلمة ، وجدها مشرك عدو للاسلام ؟ واعتزلت ( أم حبيبة ) الناس بابنتها ، مضاعفة الغربة ، قد تقوض بيتها في منازل المهاجرين ، ولا سبيل لها إلى أرض الوطن ، وأبوها هناك يضطهد الدين الذي آمنت به ، ويؤذي النبي الذي صدقته واتبعته . وأين تراها تقيم في أم القرى لو عادت ؟