وانصرف الأخنس وقد انكشف له المستور من أمر أبي جهل . تسامعت قريش بخروج سيد بني دوس : ( الطفيل بن عمرو الدوسي ) حاجا إلى مكة في الموسم ، فأسرع رجال منهم يستقبلونه على مشارفهما قبل أن يدخلها ، وهم يحسبون له ألف حساب . كان شاعرا شريفا لبيبا مطاعا في قومه ، فلو أن مشركي قريش تركوه يستمع إلى القرآن ، لأسلم وأسلمت من ورائه قبيلة دوس كلها . قالوا : يا طفيل ، إنك قدمت بلادنا ، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا ، وقد فرق جماعتنا وشتت أمرنا ، وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه وأخيه وزوجه وبنيه ، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا ، فلا تكلمنه ولا تسمعن له شيئا . ثم ما زالوا به ، ينصحون ويحذرون ، حتى أقنعوه . فاطمأنوا إلى وعده وقد أجمع ألا يكلم محمدا ولا يسمع منه . واتجه طفيل إلى الكعبة وقد حشا أذنيه قطنا ، يتقي به أن يبلغ سمعه صوت الداعي إلى الاسلام . غير أنه ما كاد يلمح المصطفى قائما يصلي عند الكعبة حتى اقترب منه على غير قصد ، فنفذت إلى سمعه كلمات من القرآن لم يصدها ما حشا به أذنيه . قال يحدث نفسه مسترجعا : وا ثكل أمي ! والله إني لرجل لبيب