لكنهم عادوا خفية في الليلة الثالثة . فأخذ كل منهم مجلسه هناك ، فباتوا يستمعون إلى القرآن حتى مطلع الفجر ، لا يدري أحد منهم بمكان صاحبيه . فلما جمعهم الطريق تناكروا واشتدوا على أنفسهم في التلاوم ، وصمموا على ألا يبرحوا مكانهم إلا على عهد وثيق ألا يعودوا لمثلها أبدا . وأصبح الصبح فخرج ( الأخنس بن شريق ) من بيته مبكرا ، يريد أن يحسم الامر . أتى أبا سفيان في داره فابتدره قائلا : - أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد . قال أبو سفيان ، في حيرة وتعثر ، وقد بوغت بالسؤال : - يا أبا ثعلبة ، والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها ، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها . ثم أمسك لم يزد . فتركه الأخنس لم يدر ما رأيه ، ومضى إلى أبي الحكم بن هشام يسأله الرأي فيما سمع من محمد . قال أبو جهل ، في أخذة المباغتة : - ما سمعت ؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف : أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا . حتى إذا كنا كفرسي رهان قالوا : ( منا نبي يأتيه الوحي من السماء ) فمتى ندرك هذه ؟ والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه [1] .