وأهل الدنيا الجبابرة ، - فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين [1] - ، ولا تعرف قبورهم ، وإن عرفت ، فالناس يعرضون عنها ولا يسألون عنها ، ولا يعتنون بها كاعتنائهم بآثار أولياء الله ورجال الدين والخير ، فلا ريب أن ما ذكر إنما هو من العبر ، وما أكثر العبر وأقل الاعتبار ، وقد عزف عن قبر هارون والترحم عليه حتى أهل السنة ، فلم يقصده أحد تقربا إلى الله تعالى ، أو تقديرا لشخصيته في حين أن أكابر العلماء من أهل السنة ، كانوا ولا يزالون يزورون مرقد علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) في البقعة الهارونية ، ويقدسون قبره ، ويروون عنه الكرامات ، كما يزورون قبر والده الإمام موسى بن جعفر الكاظم ( عليه السلام ) في الكاظمية ( بغداد ) ، الذي أخذه هارون ظلما ، وحبسه ، ثم أمر السندي بن شاهك بقتله . وإن أراد بحديثه هذا ، إبداء الأسف على عدم معرفة قبر هارون ، وكان يود أن يكون له ضريح كضريح الإمام الرضا ( عليه السلام ) ويحترمه المسلمون كاحترامهم للإمام ، فهذا أمر لا يتوقعه إلا من لم تكن له بصيرة بفلسفة الاجتماع وآثار مواقف الرجال ، فموقف الإمام الرضا وسائر أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) موقف يجذب العواطف ، وينفذ إلى أعماق القلوب ، ويحبب صاحبه إلى كل قريب وبعيد ، بينما موقف أعداءهم وظالميهم موقف يجعل صاحبه معرضا للطعن ، وتنفر منه القلوب ، وتشمئز منه النفوس ، ويبغض صاحبه إلى كل قريب وبعيد . وإن من أقوى الأدلة على حرية التفكير الإسلامي واستقرار روح العدل والمساواة ، والنفور من الدكتاتورية والظلم عند المسلمين ، عدم اعتنائهم بآثار الجبابرة ، واعتناءهم بآثار أهل البيت ( عليهم السلام ) والصحابة والعلماء والمصلحين المشهورين بالغيرة على الإسلام والجهاد ضد استبداد المستبدين . وإني - وقد ساقنا الحديث إلى هنا - أرى أنه من الضرورة بمكان أن نعلن - كمسلمين واعين - عدم شرعية حكومة هؤلاء المستكبرين أو أولئك الذين ملكوا المسلمين ،