أو لا يفعل . والجدية على ضربين : تكوينية ، وغير تكوينية . فالتكوينية منهما ما يتعلق بكون الشئ بدون واسطة فعل فاعل مختار ، وغير التكوينية ما يتعلق بفعل فاعل مختار ، إذا علم من حاله تحركه وانبعاثه بالطلب منه . وبعد كل ذلك نقول : إن الله تعالى ، وإن قطع بالإرادة التشريعية عذر عباده ، وأنشأ بأوامره ونواهيه ما يصلح أن يكون داعيا للجميع نحو الفعل المأمور به ، أو زاجرا لهم عن الفعل المنهي عنه ، وجعل الكل في ذلك سواء ، إلا أن المستفاد من الآية الشريفة انه لعلمه بحال هذه الذوات المقدسة أنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون وما يشاؤون إلا أن يشاء الله ، أراد بالإرادة الجدية - لا التكوينية - انبعاثهم نحو جميع الطاعات ، وانزجارهم عن جميع المنهيات . فأمرهم بما أمرهم ، ونهاهم عما نهاهم ، لا لان يكون هذا الأمر والنهي لقطع العذر وإتمام الحجة عليهم ، بل لانبعاثهم نحو ما أمروا به ، وانزجارهم عما نهوا عنه ، وليكون باعثا وداعيا لهم للامتثال تطهيرا لهم عن جميع الأرجاس . وقد أخبرنا بذلك في هذه الآية الكريمة إعلاما بجلالة قدرهم ، وعلو شأنهم ، وسمو مقامهم ، وكمال نفوسهم . وعلى هذا ، دلت الآية الشريفة على أن فيهم ملكة قبول كل ما أمر الله تعالى به ونهى عنه ، والاهتداء بهديه . ومن كان حاله هذا ، يريد الله تعالى إذهاب الرجس عنه ، ويوفر له أسباب التوفيق ، ويخصه بعناياته الخاصة ، ويجعله تحت رعايته الكاملة ، يلهمه كل خير ، ويميز له كل شر ، لا يدعه في حال من الحالات ، ولا في شأن من الشؤون ، يختاره ويصطفيه من بين عباده ، وهو القادر على ما يريد ، وبكل شئ عليم ، لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون .