ولا يخفى عليك أنه إنما قال ما قال ، لأنه لم يتحصل أولا معنى الاستقسام بالأزلام ، وثانيا لم يتفهم حقيقة الاستخارة ، وانها لم ترد في مورد استقل العقل بحسن فعله أو تركه ، أو حكم الشرع برجحان فعله وتركه ، ولا تنافي كرامة القرآن المجيد وكونه كتاب الهداية والارشاد بالتي هي أقوم ، كما أنه لا ينافي ذلك التبرك به وبآياته ، وقرائته لأجل الثواب ، وحصول بعض المقاصد كشفاء الأمراض مما هو مجرب ومأثور في الأحاديث الكثيرة المتواترة . غير أن التأثر بالثقافة المادية المسيطرة على الافهام والمشاعر ، يريد أن لا يقبل تأثير عالم الغيب في عالم الشهادة ، ويريد ان لا يؤمن بعلل غير مادية وتأثيرات غيبية ، فينكر أثر التوكل والتفويض والدعاء والصدقة . ولذا ترى بعضهم ينكرون معجزات الأنبياء ، وما صدر منهم من خرق العادات في عالم المادة ، كقلب العص بالثعبان ، ومعجزة صالح ، وحوت يونس ، وإحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص ، ونصرة النبي - صلى الله عليه وآله - بالملائكة . ومن لا ينكر ذلك منهم يؤوله ، ويرى الايمان به ضربا من الايمان بالخرافات ، ويعد إنكاره نوعا من الثقافة . وفتح باب ذلك في الكتاب والسنة ، يقلب الشريعة ظهرا لبطن - أعاذنا الله من شر هذه الثقافات - . وفي الاستخارات المأثورة التي هي ليست إلا مظهرا من مظاهر الايمان بالله وطلب الخير أو تعرفه منه أيضا يتبعون هذه الثقافة التي ليست من التفكير الاسلامي بشئ ، فينكرونها ، ويلحقونها تارة بأفعال المشركين وعاداتهم ، وتارة بما لم يرد فيه حديث ورواية ، ولم يثبت شرعيته من جانب الشرع .