والشر والفساد ، أمر طبيعي لا يمكن رفعه بالانشاء . ومصلحة النبوات ، وتربية العباد ، وسياسة أمورهم تقتضي أن يكون النبي والامام من غيرهم . وكم فرق بين من لم يكفر بالله طرفة عين ، وكان له في سوالف عمره سوابق حسنة ، وكانت حياته مضيئة بالخيرات ، مشرقة بالصلح والسلم ، والكرامة الانسانية ، والرشد ، والفلاح ، ومنع الظلم ، و رحمة الأيتام والضعفاء والمستضعفين ، وبين من مضى برهة من عمره في عبادة الأصنام ، وارتكاب القبائح ، حتى وأد البنات بقساوة شديدة ، قلما يرى مثلها في تاريخ الانسان . 33 وثالثا : عدم نيل عهد الله تعالى الظالم في حال ظلمه ، سيما إذا كان ظلمه عبادة الأصنام ، وارتكاب الفجور ، والظلم على العباد بالاستعلاء عليهم واستضعافهم ، واضح لا يحتاج توهمه إلى دافع ، سيما إذا كان السائل نبيا جليلا كإبراهيم الخليل الذي بلغ في معرفة الله تعالى الغاية القصوى ، ودفع توهمه خلاف البلاغة ، فإذا ليس المراد منه إلا مطلق من صدر منه الظلم ، بل خصوص من صدر منه الظلم في الماضي ، أو يعلم الله بصدوره منه في المستقبل . وأما المتلبس بالظلم ، فعدم لياقته معلوم بالضرورة لا حاجة إلى التنبيه عليه . نعم هذه الآية لا تدل على أزيد من عصمتهم عن المعاصي .
( 33 ) وهذا عمر بن الخطاب قد دفن فيما روى ستا من بناته في الجاهلية ، وإن كان ليحفر لأحدهن الحفرة يريد أن يئدها فيها ، فيتخلله غبار الحفر . فتنفض البنت عن أبيها غباره ، وتمشط لحيته بأصابها حنانا ورقة ، فلا يلين ذلك من قلبه شيئا حتى إذا انتهى ، زجها في قبرها وأهال التراب بين بكائها وعويلها واستنجادها به : يا أبتاه ! ( الأستاذ محمد سعيد الأفغاني ، مجلة حضارة الاسلام ، ط دمشق ، ع 2 ، س 22 ، ص 21 )