نام کتاب : كربلاء ، الثورة والمأساة نویسنده : أحمد حسين يعقوب جلد : 1 صفحه : 333
التضحية والفداء ، لا من منطق صلة الرحم والقرابة القريبة التي تربطهم بأخيهم فحسب ، بل من منطق نصرة الحق ومقاومة الطغيان والباطل في المقام الأول ، وقد كان للعباس يومئذ من العمر أربعة وثلاثون سنة ، وكان - كما يقول صاحب مقاتل الطالبين - رجلا وسيما يركب الفرس المطهم ورجلاه تخطان في الأرض ، وكان يقال له : قمر بني هاشم . وكان لواء الحسين معه يوم قتل ، وكان آخر من قتل من إخوته لأمه وأبيه [1] . وقد ضم ديوان بطولات العباس ومواقفه الكريمة الشجاعة في واقعة كربلاء صفحات كثيرة مضيئة لكن أكثرها إضاءة وشهرة مواساته لأخيه الحسين بنفسه . إذ أبى أن يذوق الماء ، وقد كان واقفا في لجته وكبده تتلظى من العطش ، لأن الحسين وعياله عطاشى لم يذوقوا قطرة منه منذ أيام . وقد شهد له بهذه المواساة الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام حينما وقف على قبره وقال : " أشهد لقد نصحت لله ولرسوله ولأخيك فنعم الأخ المواسي " . كما شهد له بها الإمام محمد بن الحسن المهدي عجل الله تعالى فرجه في الزيارة المعرفة عنه بزيارة الناحية : " السلام على أبي الفضل العباس المواسي أخاه بنفسه ، الآخذ لغده من أمسه ، الواقي له ، الساعي إليه بمائه ، المقطوعة يداه " . وقد روى أصحاب المقاتل في كيفية مصرعه : أنه لم يستطيع صبرا على البقاء بعد استشهاد صحبه وأهل بيته ، وطلب الإذن من الحسين عليه السلام ، فأمره الحسين عليه السلام أن يطلب الماء للأطفال ، فذهب إلى القوم ووعظهم وحذرهم غضب الجبار فلم ينفع ، ثم رجع إلي أخيه يخبره ، فسمع الأطفال يتصارخون من العطش ، فلم تتطامن نفسه على هذه الحال ، وثارت به الحمية الهاشمية وركب جواده وأخذ القربة ، فأحاط به أربعة آلاف مقاتل ورموه بالنبال فلم ترعه كثرتهم وأخذ يطردهم ، ونزل إلى الفرات مطمئنا ، ولما اغترف من الماء