المدينة جبار آخر ، فسلب ملكه - أعني : الأول - ( 1 ) وقتله واطعم الكلاب لحمه ولحم امرأته ، فمكثوا بعد إدريس عشرين سنه لم تمطر ، السماء عليهم مطره فلما جهدوا ومشى بعضهم إلى بعض . فقالوا إن الذي نزل بنا مما ترون بسؤال إدريس عليه السلام ربه ، وقد تنحى عنا ولا علم لنا بموضعه ، والله ارحم بنا منه ، فاجمعوا أمرهم على أن يتوبوا إلى الله تعالى فقاموا على الرماد ، ولبسوا المسوح ، وحثوا على رؤوسهم التراب ، وعجوا إلى الله بالتوبة والاستغفار والبكاء و التضرع إليه . فأوحى الله تعالى إلى الملك الذي يأتي إدريس عليه السلام بطعامه : ان احبس طعامه عنه ، فجاع إدريس عليه السلام ليله ، فلما كان في ليله اليوم الثاني لم يؤت بطعامه قل صبره وكذلك ( 2 ) الليلة الثالثة ، فنادى يا رب حبست عنى رزقي من قبل ان تقبض روحي . فأوحى الله إليه : اهبط من موضعك ، واطلب المعاش لنفسك ، فهبط إلى قرية فلما دخلها نظر إلى دخان بعض منازلها ، فاقبل نحوه فهجم على عجوز كبيره وهي ترفق قرصين لها على مقلاة ، فقال : بيعي منى ( 3 ) هذا الطعام ، فحلفت انها ما تملك شيئا غيرهما ( 4 ) واحد لي و واحد لابني ، فقال : ان ابنك صغير يكفيه نصف قرصه فيحيى به ويجزيني النصف الاخر ، فأكلت المرأة قرصها ، وكسرت القرص الاخر بين إدريس وبين ابنها ، فلما رأى ابنها إدريس يأكل من قرصته اضطرب حتى مات ، فقالت يا عبد الله قتلت ابني جزعا على قوته ، فقال لها إدريس عليه السلام : أحييه بإذن الله ولا تجزعي . ثم اخذ إدريس بعضد الصبي وقال : أيتها الروح الخارجة عن هذا الغلام ارجعي إليه و إلى بدنه بإذن الله تعالى ، انا إدريس النبي ، فرجعت روح الغلام إليه ، فقالت اشهد انك إدريس النبي ، وخرجت ونادت في القرية بأعلى صوتها : أبشروا بالفرج قد دخل
1 - في ق 3 : فسلب ملك الأول . 2 - في ق 1 وق 3 وق 4 وق 5 : وكذا . 3 - في ق 2 وق 4 : من . 4 - في ق 2 : منه شيئا غيرها .