له رأسا ، واتخذ لهم عيدا في كل سنه مره . فبينما هم ذات يوم في عيد ، والبطارقة عن يمينه ، والهراقلة عن يساره ، إذ اتاه بطريق ، فأخبره ان عساكر الفرس قد غشيته فاغتم لذلك حتى سقط التاج عن ناصيته ( 1 ) ، فنظر إليه أحد الثلاثة الذين كانوا عن يمينه يقال له : تمليخا وكان غلاما ، فقال في نفسه : لو كان دقيوس الها كما يزعم إذا ما كان يغتم ولا يفزع وما كان يبول ولا يتغوط وما كان ينام ، و ليس هذا من فعل الاله . قال : وكان الفتية الستة كل يوم عند أحدهم وكانوا ذلك اليوم عند تمليخا ، فاتخذ لهم من أطيب الطعام ، ثم قال لهم : يا إخوتاه ( 2 ) قد وقع في قلبي شئ منعني الطعام والشراب و المنام ، قالوا : وما ذاك يا تمليخا ؟ قال : أطلت فكري في هذه السماء ، فقلت : من رفع سقفها محفوظا بلا عمد ولا علاقة من فوقها ؟ ومن اجرى فيها شمسا وقمرا آيتان مبصرتان ؟ ومن زينها بالنجوم ؟ ثم أطلت الفكر في الأرض فقلت : من سطحها على صميم الماء الزخار ؟ ومن حبسها بالجبال ان تميد على كل شئ ؟ وأطلت فكري في نفسي ، من أخرجني جنينا من بطن أمي ؟ ومن غذاني ؟ ومن رباني ؟ ان لها صانعا ومدبرا غير دقيوس الملك ، وما هو الا ملك الملوك وجبار السماوات . فانكبت الفتية على رجليه يقبلونهما ، وقالوا : بك هدانا الله من الضلالة إلى الهدى فأشر علينا ، قال : فوثب تمليخا فباع تمرا من حائط له بثلاثة آلاف درهم وصرها في ردنه ( 3 ) ، و ركبوا خيولهم وخرجوا من المدينة ، فلما ساروا ثلاثة أميال قال لهم تمليخا : يا إخوتاه ( 4 ) جاءت مسكنة الآخرة وذهب ملك الدنيا ، انزلوا عن خيولكم وامشوا على أرجلكم لعل الله ان يجعل لكم من امركم فرجا ومخرجا فنزلوا عن خيولهم ومشوا على أرجلهم سبعه فراسخ في ذلك اليوم ، فجعلت أرجلهم تقطر دما .
1 - في البحار : عن رأسه . 2 - في ق 3 : يا اخوتي . 3 - في ق 2 : في رداء له ، وفي البحار عن نسخة : في ردائه . والردن أصح وأوضح وهو بمعنى : الطرف الواسع من الكم . 4 - في ق 2 وق 3 : يا اخوتي