مكة في حجة الوداع حتى نزل صلّى الله عليه وآله وسلّم بغدير الجحفة بين مكة والمدينة ، فأمر بالدوحات فقمّ ما تحتهن من شوك ثم نادى : الصلاة جامعة ، فخرجنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في يوم شديد الحر ، وإن منا لمن يضع رداءه على رأسه ، وبعضه على قدميه من شدة الرمضاء حتى انتهينا إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فصلى بنا الظهر ثم انصرف إلينا فقال : الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونؤمن به ونتوكل عليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، الذي لا هادي لمن أضل ولا مضل لمن هدى ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وإن محمّداً عبده ورسوله ، أما بعد : أيها الناس فإنه لم يكن لنبي من العمر إلا نصف من عمّر من قبله ، وإن عيسى بن مريم لبث في قومه أربعين سنة ، وإني قد أسرعت في العشرين ، ألا وإني يوشك أن أُفارقكم ، ألا وإني مسؤول وأنتم مسؤولون ، فهل بلّغتكم ؟ فماذا أنتم قائلون ؟ فقام من كل ناحية من القوم مجيب يقولون : نشهد إنك عبد الله ورسوله قد بلغت رسالته وجاهدت في سبيله ، وصدعت بأمره وعبدته حتى أتاك اليقين ، جزاك الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته ، فقال : ألستم تشهدون أن لا إله إلاّ الله ، لا شريك له ، وإن محمّداً عبده ورسوله ؟ وأن الجنة حق وأن النّار حق وتؤمنون بالكتاب كلّه ؟ قالوا : بلى ، قال : فإني أشهد أن قد صدقتكم وصدقتموني ، ألا وإني فرطكم وإنكم تبعي توشكون أن تردوا علي الحوض ، فأسألكم حين تلقونني عن ثقليَّ كيف خلفتموني فيهما ، قال : فأعيل علينا ، ما ندري ما الثقلان ، حتى قام رجل من المهاجرين وقال : بأبي أنت وأمي أنت يا نبّي الله ، ما الثقلان ؟ قال صلّى الله عليه وآله وسلّم : الأكبر منهما كتاب الله تعالى ، سبب طرف بيد الله وطرف بأيديكم ، فتمسكوا به ولا تضلوا ، والأصغر منهما عترتي من استقبل قبلتي وأجاب دعوتي ، فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصروا عنهم ، فإني