جعلا الحكمين حاكمين في قبال الله ، فإن اكتشاف الحكم من القرآن لا يعني الحاكمية والإمرة للمكتشف . . قال المعتزلي بعد أن ذكر أن قول يعقوب : إن الحكم إلا لله معناه : أنه إذا أراد شيئاً من أفعال نفسه فلا بد من وقوعه ، بخلاف غيره من القادرين بالقدرة ، فالذي ينفذ مراده لما هو من أفعاله ، هو الله تعالى فقط ، قال : « فهذا معنى الكلمة ، وضلت الخوارج عندها ، فأنكروا على أمير المؤمنين « عليه السلام » موافقته على التحكيم ، وقالوا : كيف يحكم وقد قال الله سبحانه : * ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلهِ ) * ؟ [1] ، فغلطوا لموضع اللفظ المشترك . وليس هذا الحكم هو ذلك الحكم ، فإذن هي كلمة حق يراد بها باطل ، لأنها حتى على المفهوم الأول ، يريد بها الخوارج في كل ما يسمى حكماً إذا صدر عن غير الله تعالى . وذلك باطل لأن الله تعالى قد أمضى حكم المخلوقين في كثير من الشرائع » [2] . وحسبنا ما ذكرناه هنا ، فإن ما سوف نشير إليه إن شاء الله في ثنايا هذا الكتاب يكفي لإعطاء تصوير على درجة من الوضوح عن هذه الفئة ، وذلك بالمقدار الذي يسمح لنا به الوقت المحدود ، والفرصة المتاحة ، وما توفره لنا النصوص التي أفصح لنا عنها تاريخ هذه الفئة ، وأمكننا الرجوع إليها . والحصول عليها .
[1] الآية 57 من سورة الأنعام . [2] شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 9 ص 17 .