إبقاء شيء من تعاليمهم إلا في مناطق نائية ليس فيها أثر يعتد به للنشاط الثقافي ، والعلمي ، والفكري . . هل يدافع علي « عليه السلام » عن حكمه ؟ ! وإذا أردنا أن نجيب على السؤال الذي يقول : لماذا كان علي « عليه السلام » شديداً في أمر الخوارج إلى هذا الحد ، حيث قتلهم في النهروان ، حتى لم يفلت منهم إلا أقل من عشرة . . وهم الذين كانوا إلى الأمس القريب معه ، ومن جملة جيشه ، الذي حارب معه معاوية . ومع أنه « عليه السلام » هو ذلك الرجل المعروف بأنه الرؤوف الرحيم . وهو الذي لم يزل يسعى لدرء الفتنة ، وإخماد النائرة ، بأقل قدر ممكن من الخسائر في الأرواح ؟ ! فهل كان يريد الانتقام لشخصه ، من حيث إنه يرى في الخوارج خطراً متوجهاً إليه كشخص ؟ ! . إننا نجله كل الإجلال عن مثل ذلك . وهو الرجل الذي أثبت عملياً ، ومن يوم وفاة الرسول « صلى الله عليه وآله » ، أنه أسمى من أن يفكر بغير الإسلام ، وهو القائل : لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ، ولم يكن جور إلا عليَّ خاصة [1] .
[1] ولأجل ذلك استمر « عليه السلام » بالمعارضة لكل حاكم اغتصب الخلافة ، ولم يلتزم بحكم الله فيها . لأن أمور المسلمين لا يمكن أن تسلم في ظل حكومة هذا النوع من الناس . ولو كانت تسلم بذلك لم يصح فرض إمامة وخلافة من الله ورسوله . وقد نتج عن هذه المعارضة المستمرة إقصاؤه « عليه السلام » عن حقه طيلة خمس وعشرين سنة ، ثم كان من نتيجة ذلك ما ابتلي به من حروب في أيام خلافته . تلك الحروب التي كان يمكنه تجنبها لو أنه قبل بالعمل بنهج غيره ، وداهن في دين الله . وقد طلب منه ذلك أكثر من مرة ورفض . ورضى بمواجهة الأذى في ذات الله حتى مات شهيداً مظلوماً على يد أشقاها .