إلى أمصارهم ومنازلهم ، فأقاموا بها ، فكان ممن رجع : الأحنف وشبث بن ربعي ، وأبو بلال مرداس بن أدية ، وابن الكواء ، بعد أن ناشدهم علي ، وقال : الخ . . » [1] . فحتى الأحنف إذن ، كان قد مال إلى رأي الخوارج ، وانجرف في تيارهم ، فما ظنك بسواه . حروب الإخوة : ثم تأتي حروب النهروان ، حيث فرض فيها على العراقيين ، الذين يفضلون رابطة الدم ، على كل ما سواها ، أن يحاربوا إخوانهم بالعصبية ؛ حيث كان في صفوف هؤلاء الخوارج : من هم إخوانهم ، وأبناؤهم ، وآباؤهم ، وأبناء العشيرة ، حتى إن عدي بن حاتم ، وهو من القواد المعروفين في جيش أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام كان ولده في جملة من قتل من الخوارج ، وقد دفنه أبوه بعد انتهاء المعركة ، ودفن رجال من الناس قتلاهم بإذن أمير المؤمنين « عليه السلام » [2] . وطبيعي أن يتزايد لدى العراقيين شعور بالحزن والأسى إزاء حالة كهذه ، وأن يكون لديهم شعور عميق بالضيق وسأم وتململ ثم صدود عن الاستمرار في طريق عسير وشاق كهذا ، مع شعور بضرورة الخروج من هذه الحالة إلى ما يرون أنه الأفضل والأسلم ، لا سيما وأنه « عليه السلام » كان قد حارب أهل العراق أيضاً بأهل العراق في وقعة الجمل ، ثم أهل العراق بأهل الشام في حرب صفين .
[1] أنساب الأشراف ، بتحقيق المحمودي ج 2 ص 342 . [2] راجع : تاريخ الأمم والملوك للطبري ج 4 ص 66 والكامل لابن الأثير ج 3 ص 348 ، وتاريخ ابن خلدون ج 2 - قسم 2 ص 181 وتذكرة الخواص ص 105 .