ومن ذلك كله . . تعرف السر في عدم تمامية امرهم . . بالإضافة إلى أسباب أخرى ، ستأتي الإشارة إليها في ضمن الفصول الآتية ، إن شاء الله تعالى . كما أن مما ذكرناه ونذكره ، يتضح عدم صحة ما قاله ابن خلدون : من أنه « لم يتم أمرهم ، لمزاحمتهم العصبية القومية » [1] . بل الحقيقة هي : أن طريقة بني أمية ، تستهوي النفوس البشرية الضعيفة أكثر من طريقة الخوارج ، لأنهم يدعون إلى الدنيا ، وإلى زبارجها ، وبهارجها ، التي ينساق إليها الناس بغرائزهم ، وتنسجم مع هوى نفوسهم . ج : محدودية مطامع الخوارج : إن الخوارج ، وإن كانوا على ضلال ، إلا أنهم كانوا - دون شك أقل سوءاً من الأمويين . لأنهم يقاتلون من أجل هدف يرونه ديناً مقدساً ، فهم وان أخطأوا الطريق من حيث إنهم لم يقاتلوا بني أمية مع إمام حق . بل لقد حاربوا الإمام المنصوب من قبل الله تعالى ، ورفضوا الانقياد له ، لكنهم محقون في سعيهم لإزالة حكم الجبارين ، فهم قد طلبوا حقاً فوقعوا في الباطل ، وأرادوا صواباً فتاهوا في الضلال والفساد ، من حيث معاداتهم الإمام المنصوب ، وعدم انقيادهم له أو انضوائهم تحت لوائه . أما بنو أمية فإنهم قد طلبوا الخلافة فأدركوها وهم ليسوا من أهلها بل هم يعلمون أنهم يطلبون ما ليس لهم بحق ، مع خبث نفوسهم ، وشدة ظلمهم وفجورهم . .
[1] مقدمة ابن خلدون ص 69 وقضايا في التاريخ الاسلامي ص 38 .