عقوبته لهم أن شتتهم في الأرض جماعات جماعات ، منهم الصالح ومنه الطالح ، وامتحنهم بالخير والشر ، لعلهم يتوبون ويرجعون إلى الهدى . ونجد تصديق هذا الوعد الإلهي بمعاقبة اليهود في كل أدوار تاريخهم ما عدا فترات حكم الأنبياء موسى ويوشع وداود وسليمان عليهم السلام ، فقد سلط عليهم أنواعاً من الأقوام والشعوب ، وساموهم سوء العذاب . قد يقال : نعم لقد تسلط عليه ملوك المصريين والبابليين واليونان والفرس والرومان وغيرهم فساموهم سوء العذاب ، ولكن المسلمين لم يسومونهم سوء العذاب ، بل اكتفوا بأن قضوا على قوتهم العسكرية ، ثم قبلوا منهم أن يعيشوا في ظل الدولة الإسلامية ، ويتمتعوا بحريتهم وحقوقهم ضمن قوانين الإسلام ، ويعطوا الجزية . والجواب : أن سومهم سوء العذاب لا يعني استمرار قتلهم ونفيهم وسجنهم كما كانت تفعل بهم أكثر الدول التي تسلطت عليهم قبل الإسلام . بل تعني إخضاعهم عسكرياً وسياسياً لسلطة من يسلطه الله عليهم . والمسلمون وإن كانوا أرحم من غيرهم في معاقبة اليهود وتعذيبهم ، ولكنه يصدق عليهم أنهم تسلطوا على اليهود وساموهم سوء العذاب . وقد يقال : نعم ، إن تاريخ اليهود يشهد بتطبيق هذا الوعد الإلهي عليهم ، ولكن قد مضى عليهم في عصرنا الحاضر قرن من الزمان أو نصف قرن على الأقل ، ولم يتسلط عليهم من يسومهم سوء العذاب ، بل مضى عليهم أكثر من نصف قرن من سنة 1936 م . وهم يسومون المسلمين في فلسطين وفي غيرها سوء العذاب ، فكيف نفسر ذلك ؟ الجواب : أن هذه الفترة من حياة اليهود مستثناة ، لأنها فترة رد الكرة ، ومرحلة العلو الكبير الموعود لهم بقوله تعالى في سورة الإسراء : ( ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ