مهما كبرت ، وللأعاصير الهوجاء مهما زمجرت وعصفت . ثم كان شعر الفكر والوعي ، والتوجيه والهداية ، والدعوة الخالصة والمخلصة إلى الله سبحانه ، وإلى دينه القويم ، وصراطه المستقيم . إلى جانب ذلك كله ، نجد أنه الشعر السهل الممتنع ، والبليغ والقوي ، ليس فيه صلف ، ولا سرف ، ولا نكارة ، ولا وحشية . كما أنك لا تجد فيه أي نوع من أنواع المجون والتبذل ، أو الاستجداء أو الاستخذاء ، أو الانهزام والتنصل . ولا تستطيع أن تلمح فيه أيضاً أي لون من ألوان التكلف ، أو الركاكة ، أو التعسف ، فهو متماسك متناسق ، فيه جزالة وصفاء ، وصدق ووفاء ، وبذل وعطاء ، لا تشك في أنه نابع من وجدان منصف ، وضمير حي ، ترفده مشاعر الطهر والصدق والإخلاص ، ويفيض من معين البطولة والرجولة ، والشهامة والتحدي . نعم . . إنك تلمس كل ذلك بسهولة ويسر ، في شعر أبي طالب عليه السلام ، مؤمن قريش ، والرجل المظلوم ، والمظلوم حقاً ، الذي تصدى وتحدى الطواغيت والجبارين بإيمانه ، وجاهد في سبيل الله بنفسه ، وولده ، وبماله ، وبيده ولسانه ، فرغمت بجهاده هذا أنوف ، وذلّت معاطس ، ضج بها حسد بغيض ، وحقد كامن ، وجرح لا يداوى . الرجل الفذ : وخلاصة الأمر : أننا حينما نقرأ شعر أبي طالب عليه السلام ، فإنما نقرأ فيه أبا طالب نفسه عليه السلام ، ونتعرف على خصائصه وسجاياه ،