لتكن صيغة المعاهدة بما لولوت عليه من عناصر موضوعية لها أهميتها في الناحيتين الدينية والسياسية ، شاهداً جديداً على ما وفّق له واضع بنودها من سمو النظر في الناحيتين جميعاً . ومن الحق ان نعترف للحسن بن علي عليهما السلام - على ضوء ما أثر عنه من تدابير ودساتير هي خير ما تتوصل اليه اللباقة الدبلوماسية لمثل ظروفه من زمانه وأهل زمانه - بالقابليات السياسية الرائعة التي لو قدّر لها أن تلي الحكم في ظرف غير هذا الظرف ، وفي شعب أو بلاد رتيبة بحوافزها ودوافعها ، لجاءت بصاحبها على رأس القائمة من السياسيين المحنكين وحكام المسلمين اللامعين . ولن يكون الحرمان يوماً من الأيام ، ولا الفشل في ميدان من الميادين بدوافعه القائمة على طبيعة الزمان ، دليلاً على ضعف أو منفذاً إلى نقد ، ما دامت الشواهد على بعد النظر وقوة التدبير وسموّ الرأي ، كثيرة متضافرة تكبر على الريب وتنبو عن النقاش . وللقابليات الشخصية مضاؤها الذي لا يعدم مجال العمل ، مهما حدّ من تيارها الحرمان أو ثنى من عنانها الفشل . وها هي ذي من لدن هذا الرجل العظيم تستجدّ - منذ الآن - ميدانها البكر ، القائم على الفكرة الجديدة القائمة على صيانة حياة أمة بكاملها في حاضرها ومستقبلها ، بما تضعه في هذه المعاهدة من خطوط ، وبما تستقبل به خصومها من شروط . وانك لتلمح من بلاغة المعاهدة بموادها الخمس ، أن واضعها لم يعالج موضوعه جزافاً ، ولم يتناوله تفاريق وأجزاءً ، وانما وضع الفكرة وحدة متماسكة الاجزاء متناسقة الاتجاهات . وتوفر فيها على تحرّي أقرب المحتملات إلى التنفيذ عملياً ، في سبيل الاحتياط لثبوت حقه الشرعي ، وفي