الانتقاض عليه والنكول عنه ، وبالجيش كله عن الانهيار أخيراً . وكان معاوية لا يزال يتذكر في زحفه على الحسن ، حديث النعمان بن جبلة التنوخيّ معه في " صفين " - وهو إذ ذاك أحد رؤساء جنوده المحاربين - ، وقد صارحه بما لم يصارحه بمثله شاميّ آخر ، وسخر منه بما لم يسخر بمثله رعية من سلطان . وما يؤمن معاوية أن يشعر الناس تجاهه - اليوم - شعور ذلك التنوخي المغلوب على أمره - يومئذ . وكان مما قاله هذا التنوخي لمعاوية في صفين : " واللّه لقد نصحتك على نفسي ، وآثرت ملكك على ديني ، وتركت لهواك الرشد وأنا أعرفه ، وحدت عن الحق وأنا أبصره ، وما وافّقت لرشد وأنا أقاتل عن ملك ابن عم رسول اللّه صلى اللّه عليه ( وآله ) وسلم وأول مؤمن به ومهاجرٍ معه ، ولو أعطيناه ما أعطيناك ، لكان أرأف بالرعية وأجزل في العطية ، ولكن قد بذلنا لك الامر ، ولابد من اتمامه كان غياً أو رشداً ، وحاشا أن يكون رشداً . وسنقاتل عن تين الغوطة وزيتونها ، إذا حرمنا أثمار الجنة وأنهارها ! . . [1] " . وكان من سياسة معاوية ، حبس أهل الشام عن التعرف على أحد من كبراء المسلمين - خارج الشام - لئلا يكون لهم من ذلك منفذ إلى انكاره أو الانقسام عليه . ولذلك فلا نعرف كيف تسنى لهذا الشامي معرفة ابن عم رسول اللّه ( ص ) ومعرفة سبقه إلى الايمان ورأفته بالناس وكرمه في العطاء وأولوّيته بالامر . وحري معاوية على تجهيل أهل الشام بأعلام الاسلام إلى آخر عهده ، وكانت سياسته هذه ، هي أداته في التجمعات التي ساقها لحروب صفين أولاً ، ولحرب الحسن بن علي في مسكن أخيراً . وتجد ظاهرة هذه السياسة - بما فيها من اعلان عن ضعف