وتوصيفُ القَلب بالشُّكرِ دليلٌ عَلى انَّ الشُّكرَ مِن افعالِ القُلوبِ واحوَالها ، لا مِن افعالِ الجَوارحِ ، وَالَّا لمَا صحَّ تَوصِيفُ القَلب بِهِ ، كَما لَا يَصحُّ توصيفهُ بسائرِ افعالِ الجَوارِح كالقيامِ والقعُودِ والسُّجودِ ونحوها .وبِالجُملَةِ فَبعدِ مُلاحَظةِ تِلكَ الرِّوايَات لَا مجَالَ للتَّأمُّلِ في انَّ الشُّكرَ فِعلُ القَلب ، وانَّ حقيقتَهُ عرفانُ النِّعمَة مِن المُنعمِ والاعترافُ بِها قلبا ، وانّه مَعناهُ الحقَيقيُّ بِقولٍ مُطلقٍ مِن غَير فَرقٍ بَين العُرف واللُّغة ، إذِ الأصلُ عَدم تعدَّد الوضَع ، وعدَم النَّقل ، وانَّ سائِر ما ذُكِر في تَعريفِهِ مِن المحبَّةِ والفَرحِ والثَّناءِ باللِّسان ، ونَشر الاحسان ، والطَّاعة بِالجوارحِ والأركانِ ، وتَرك المُخَالفةِ والعِصْيان ، فكلُّها مِن لوازمِ ذلك المَعنى الحقَيقيُّ الَّذي هُو العِرفان ، فمَن عرَّفهُ ببعضِها أو كلُّها فَقد عرَّف باللِّوازمِ ، ومَن عرَّف بالجَميعِ فَقد عرَّف بِمجمُوع اللَّازمِ والمَلزُوم .ثمّ انَّ كُفرانِ النِّعمَة - الِّذي هو ضِدُّ شُكرِها - قَد فُسِّر في كَلماتِ اهلِ اللُّغةِ والتَّفسيرِ بالجحُودِ ، والجُحودُ وان كانَ اعمُّ مِنَ الانكارِ بالقَلبِ واللِّسانِ مَع الاستِيقَان النَّفسِي كمَا في صَريح الآية [1] ، لكِن لما ثَبت بِالاخبارِ السَّابقة انَّ الشُّكرَ هُو العِرفَان القَلبيُّ ، وجَبَ حَمل الجحود في كلماتهِمْ على خُصوصِ الانكار القلبيِّ قَضاءً لحقِّ التقابُل بَين الضِّدِّين .هَذا جملةُ القَول في الشُّكر ، وأمَّا الحمدُ فالكَلامُ فيهِ مِن حَيث تعدُّد
[1] آية * ( وجحدوا با واستيقنتها ) * [ النمل 14 ] .