حتّى تخرج المدرة من بين حبّ الحصيد . ومن هذا الكتاب ، وهو آخره : إليك عنّي يا دنيا ، فحبلك على غاربك ، قد انسللت من مخالبك ، وأفلتُّ من حبائلك ، واجتنبت الذَّهاب في مداحضك . أين القرون الَّذين غررتهم بمداعبك ! أين الأُمم الَّذين فتنْتهمْ بزخارفك ! فها هم رهائن القبور ، ومضامين اللُّحود . والله لو كنت شخصاً مرئياً ، وقالبا حسّيّا ، لأقمت عليك حدود الله في عباد غررتهم بالأمانيّ ، وأمم ألقيتهم في المهاوي ، وملوك أسلمتهم إلى التّلف ، وأوردتهم موارد البلاء ، إذ لا ورد ولا صدر ! هيهات ! من وطي دحضك زلق ، ومن ركب لججك غرق ، ومن ازورَّ عن حبائلك وفّق ، والسّالم منك لا يبالي أن ضاق به مناخه ؛ والدّنيا عنده كيوم حان انسلاخه . أعزبي عنّي ! فوالله لا أذلّ لك فتستذلّيني ، ولا أسلس لك فتقوديني ، وأيم الله يميناً استثني فيها بمشيئة الله ، لأروضنّ نفسي رياضةً تهشّ معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوماً ، وتقنع بالملح مأدوماً ؛ ولأدعنّ مقلتي كعين ماء نضب معينها ، مستفرغةً دموعها ، أتمتلئ السّائمة من رعيها فتبرك ، وتشبع الرّبيضة من عشبها فتربض ، ويأكل عليٌّ من زاده فيهجع ! قرّت إذًا عينه إذا اقتدى بعد السّنين المتطاولة بالبهيمة الهاملة ، والسّائمة المرعية ! طوبى لنفس أدّت إلى ربِّها فرضها ، وعركت بجنبها بؤسها ، وهجرت في اللَّيل غمضها ، حتَّى إذا غلب الكرى عليها افترشت أرضها ، وتوسَّدت كفَّها . في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم ، وتجافت عن مضاجعهم جنوبهم ، وهمهمت بذكر ربّهم شفاههم ، وتقشَّعت بطول استغفارهم ذنوبهم ، ( أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمْ